اتخذ مجلس الوزراء السعودي عدة قرارات جريئة برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، تجسد في مجملها إحساسًا بنبض الشارع، وتعكس ما يتم تداوله من مشاكل اجتماعية، تطفو على السطح من حين لآخر، وتبعث ببنودها ومعانيها، رسالة واضحة بأن المرحلة المقبلة لم يعد فيها متسع لأي استهتار بأرواح المواطنين. فبعد أن كثرت وتعددت في الآونة الأخيرة مشاكل المفحطين، وما تسببه حركاتهم الطائشة من كوارث إنسانية، يدفع ثمنها إما المفحط نفسه، أو آخرون حوله، فضلاً عن تسببه في الإضرار بمرافق الدولة، وتشويه السلوك المجتمعى العام للسعوديين، جاءت قرارات مكافحة هذه الظاهرة المميتة، التى ترتكبها وتمارسها فئة غير مسئولة من شبابنا. وبعد دراسة متأنية، قالت الحكومة كلمتها استجابة لهذه المطالب الشعبية، وقررت تعديل المادة "التاسعة والستين" من نظام المرور، واعتبرت التفحيط مخالفة مرورية، وهو مطلب سبق وأن اقترحه خبراء المرور، والمتضررون من هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا السعودي، والتي لم تسلم من تبعاتها أي قرية أو مدينة سعودية. والجميل في القرار تدرج عقوبته، فمن يفحط للمرة الأولى ليس كمدمن التفحيط، كما تم إعفاء المركبات المستأجرة والأخرى المسروقة من عقوبتي الحجز والمصادرة، لانتفاء ركن التعمد والقصد، ولعدم علم أصحابها،.ويعد التدرج في العقوبة رأفة من المشرع بكثير من الشباب الذين يفتقدون للوعي بأخطار التفحيط، كما يمنحهم فرصة الإقلاع عن هذه العادة المهلكة للأرواح والممتلكات، وينبه أولياء أمورهم إلى ما يقوم به أبناؤهم من سلوكيات لا يقرها ديننا وترفضها قيمنا وتقاليدنا. إن العقاب النظامى المتدرج بحجز سيارة المفحط، وتسديده الغرامة المالية، وإحالته للمحاكمة، سيكون رادعًا قويًا، وسيدق جرس الإنذار لآلاف من أولياء الأمور يتركون مفاتيح سياراتهم لأبنائهم المراهقين من المفحطين الذين يتسببون في قتل أنفسهم، وإيذاء الآخرين وتعطيل حركة المرور، وإرهاب المارة بحركات لا يقرها شرع ودين. فهذا التدرج في العقوبة بحجز السيارة 15 يومًا في المرة الأولى لضبط المفحط، ثم رفعها شهرًا في المرة الثانية، ثم مصادرتها تماما، والشيء نفسه للغرامة المالية التى تصل إلى 60 ألف ريال في المرة الثالثة مع السجن يعكس مدى إيمان المشرع، بأن "أبطال" هذه الظاهرة فئة من شبابنا، لا بد من توعيتهم وعقابهم حماية لأرواحهم وأرواح الآخرين، وللقضاء على المشاكل التى ظهرت مؤخرًا بين مكاتب تأجير السيارات والمواطنين، تقرر معاقبة كل من حجز رخصة سير المركبة أو رخصة القيادة لدى الغير،أو رهنها، أو ارتهنها، بغرامة مالية لا تقل عن 1000 ريال ولا تزيد على 2000 ريال، كما يعاقب المعرض بغرامة مالية مقدارها 100 ألف ريال مع إغلاق المعرض المخالف إلى حين الحصول على ترخيص. وشملت القرارات، تطوير صناديق التمويل السعودية، إداريًا وهيكليًا ؛ لتلبية الاحتياجات والمتطلبات التنموية العاجلة، مثل الصندوق السعودي للتنمية، الذي لم يعد بهذه القرارات الجديدة، مجرد قناة تمويلية فقط لبعض المشاريع، وإنما مؤسسة شبه مستقلة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، الذي يترأسه سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ارتباط جاء في وقته المناسب، حيث ستصب في الصندوق مباشرة ما تريده الحكومة والمجلس الاقتصادي من خطوات اقتصادية إنمائية، ومن ثم يعمل الصندوق على الالتزام بها داخليًا، دون المرور على مؤسسات وهيئات أخرى مختلفة، مما يسرع من عملية الإنجاز، والوصول مباشرة إلى الجهات المستفيدة من الصندوق. ورغم أن بعض القرارات تبدو في ظاهرها صارمة وقاسية، إلا أنها في الجوهر تصب في مصلحة المواطن والوطن، إذا ما نظرنا إليها نظرة موضوعية، غير انفعالية، واعتبرناها خطوة على طريق تعظيم الإيرادات، عبر قنوات أخرى متنوعة، ومختلفة بعيدًا عن الإيرادات التقليدية النفطية. كما تحمل القرارات الجديدة اهتمامًا واضحًا بالكوادر السعودية، ومنح الخبراء السعوديين فرصة المشاركة في صنع القرار الاقتصادي، وتحمل المسئولية؛ وهو الهدف المقصود من تعيين رئيس مجلس الصندوق ونائبه والعضو المنتدب وأعضاء المجلس بأمر من مجلس الوزراء، مع تحديد مدة العضوية بثلاث سنوات لا تجدد سوى مرة واحدة، وذلك ضمانًا لتجديد الدماء والأفكار والخطط. وللحد من استقدام الأجانب، ولدفع الشركات الوطنية والقطاع الخاص إلى الاعتماد على الشباب السعودي، وتقليص طابور البطالة، ولتشجيع المبادرات غير النفطية؛ جاءت الأسعار الجديدة لتأشيرات الدخول والمغادرة، برفع رسم تأشيرة الدخول لمرة واحدة 2000 ريال، على أن تتحمل الدولة هذا الرسم عن القادم لأول مرة لأداء الحج أو العمرة، مقابل 3000 ريال للتأشيرة المتعددة لمدة 6 شهور، و5000 ريال لتأشيرة السنة، و8000 ريال للسنتين، وتحريك رسم تأشيرة المرور إلى 300 ريال، مقابل 50 ريالا للمغادرة، ورفع "الخروج والعودة إلى 200 ريال، وهي مبالغ يراها الخبراء ضئيلة جدًا عند مقارنتها بأي عائد وبما يحصل عليه أي وافد بالمملكة. ويبقى قرار تعديل رسوم الخدمات البلدية هو الأهم، وقد اعتمد القرار أيضًا على مبدأ التدرج في التطبيق، مما يعكس رغبة الحكومة في ضبط إيقاع الأداء المؤسسي والمجتمعي دون إحداث مضاعفات أو تبعات، تضر بالهدف من القرار، وهو ما يلمسه المواطن فيما يتعلق بقواعد ورسوم تنظيم لوحات الدعاية والإعلان، التى سيتم توجيه عوائدها لمتطلبات التنمية والنهوض بالمرافق الحيوية بالبلديات. إن نظرة سريعة لما يحدث في العالم من متغيرات اقتصادية واجتماعية، تبدأ بالتقشف وتنتهي برفع الأسعار، ولما يجري في دول لا تبعد كثيرًا عن منطقتنا العربية والخليجية، تجعلنا بقليل من الحكمة والتروي والعقلانية، نستوعب الهدف من هذه القرارات الجريئة، التى سبق وأن طالب بها الخبراء والمتخصصون، لتطوير المجتمع، والأنظمة المحلية والبلدية، ومواجهة بعض الظواهر الاجتماعية، وهو ما دفع الدولة لإقرارها.