تزدحم الاحداث قبل أربعة ايام من انتخابات مشهودة لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» التي يتنافس فيها خمسة مرشحين، في حين ان صاحب النفوذ الاقوى فيه لاكثر من عقدين من الزمن يقاتل للدفاع عن براءته. واذا كان الرئيس الموقوف للفيفا، السويسري جوزيف بلاتر، يريد الخروج بصك البراءة على أبعد تقدير، فان الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الاوروبي الموقوف ايضا والذي كان ينظر اليه كخليفة لبلاتر في رئاسة أهم منظمة كروية في العالم يعتبر الخاسر الاكبر. خرج بلاتر اذا من الباب الضيق لفيفا، حيث بسط نفوذه رئيسا منذ 1998 حتى استقالته المفاجئة تحت ضغوط فضائح الفساد المتتالية في الثاني من يونيو الماضي، أي بعد أربعة ايام من اعادة انتخابه رئيسا لولاية خامسة على التوالي، بعد الفوز على الاردني الامير علي بن الحسين الذي انسحب قبل الجولة الثانية من التصويت. ولا تزال تداعيات تلك الانتخابات مستمرة حتى الان، ويبدو انها لن تتوقف قريبا، فقبل يومين من التصويت، وتحديدا في 27 مايو 2015، اقتحمت الشرطة السويسرية الفندق الرسمي للوفود واعتقلت بناء على طلب من القضاء الاميركي مسؤولين بارزين أهمهم جيفري ويب من جزر كايمان الذي كان في حينها رئيسا للكونكاكاف ونائبا لرئيس الفيفا، كما وجهت التهم الى مسؤولين آخرين، وشركاء في شركات للتسويق الرياضي. طالب الاتحاد الاوروبي الذي كان داعما للامير علي بتأجيل الانتخابات، لكنها اجريت وفاز فيها بلاتر، قبل ان يضطر الى وضع استقالته بتصرف الجمعية العمومية لانتخاب خلف له في السادس والعشرين من فبراير 2016. قاوم العجوز السويسري، الذي كان صاحب نفوذ واسع ايضا عندما كان امينا عاما للفيفا في فترة تولي البرازيلي جواو هافيلانج الرئاسة، كل الضغوط للاستقالة فورا، مصرا على انه سيزاول مهماته حتى يوم التصويت. السفينة لم تصل الى بر الامان سارت الرياح القوية بعكس سفينة بلاتر الذي كان يتباهى دائما بأنه ربان ماهر يوصل السفينة الى بر الامان، فأوقف مع بلاتيني لمدة 90 يوما في البداية قبل ان يصدر الحكم بوقفهما في 21 ديسمبر الماضي لمدة ثماني سنوات عن مزاولة اي نشاط كروي، بعد تسريب حصول الفرنسي على مبلغ مليون دولار من السويسري في 2011 عن عمل استشاري قام به الاول للثاني بين 1999 و2002 بعقد شفهي. واجه السويسري ظروفا عصيبة بعد قرار الايقاف، ودخل الى المستشفى «لانه لم يتحمل الضغوط النفسية عليه»، وبدأ مع بلاتيني رحلة صعبة لتغيير الحكم وقد مثلا قبل ايام أمام لجنة الاستئناف التابعة للفيفا. وتوجه «سيب» الثلاثاء الماضي بسرية تامة الى المبنى الذي سيطر فيه على كرة القدم العالمية لفترة طويلة، وصل في الساعة السابعة والنصف صباحا الى مقر الفيفا بعيدا عن انظار الصحافيين لحضور الجلسة الشفوية الحاسمة التي كانت مقررة في تمام الساعة التاسعة صباحا، وفقا لعضو أمن المقر الرئيسي للفيفا الذي اكد ان بلاتر خرج سرا من الباب الخلفي نحو الساعة الخامسة بعد الظهر. يقف على الحياد ردد بلاتر كلمات معبرة جدا تؤكد نهاية نفوذه، مع ان البعض يرى ان دوره في الانتخابات المقبلة لا يمكن اغفاله ولو اتسم بالسرية التامة. وقال العجوز السويسري، الذي بدا عليه الوهن مع انه كان متألقا في الانتخابات الماضية «الرحيل الذي يدبرونه لي محزن، لكن ما بالامكان فعله؟ هناك حالات لا تملك السلاح لمواجهتها، وفجأة لم يعد لديك اي اصدقاء» وذلك في مقابلة مع راديو مونتي كارلو «ار ام سي». وتابع «لقد طورنا كرة القدم خلال فترة 40 عاما ولم تصل سابقا الى المستوى الذي اصبحت عليه الان، ويكفي ان تنظروا الى مسابقة دوري ابطال اوروبا لتعرفوا المستوى الذي وصلت اليه كرة القدم». لكنه حيد نفسه على ما يبدو عن الانتخابات المقبلة لتحديد خليفته بالقول «لا يمكنني التحيز لاحد، هذا أمر مستحيل، ليس من شأني التدخل في هذه المسألة»، كاشفا ان اربعة من المرشحين الخمسة تحدثوا اليه وبأن عدة اتحادات اتصلت به للوقوف على رأيه بشأن المرشح الذي يجب التصويت له»، مضيفا «قلت لهم: صوتوا لمن تريدون، لمن ترونه بروحكم وثقتكم الافضل بالنسبة لفيفا». بلاتيني الخاسر الأكبر وقع الايقاف يختلف تماما بالنسبة الى بلاتيني، لانه كان سينتقل من رئاسة الاتحاد الاوروبي الذي اداره بنجاح لاعوام، الى التربع على عرش أهم منظمة كروية في العالم، ولذلك فانه يقاتل بدوره لتبرئة نفسه وتلميع صورته التي تشوهت بسبب هذه القضية، واستعادة على الاقل كرسي رئاسة الاتحاد الاوروبي. وخرج بلاتيني من جلسة الاستماع امام لجنة الاستئناف مرتاحا، وهو قدم شاهدين هما جاك لومبير، الرئيس الحالي للجنة المنظمة لكأس اوروبا فرنسا 2016، وانخيل ماريا فيار لونا، رئيس الاتحاد الاسباني ونائب رئيس الاتحاد الاوروبي للعبة مؤقتا بعد ايقافه، وذلك بهدف اثبات العقد الشفهي «الشهير» الذي عقده مع بلاتر. وقال بلاتيني بعد جلسة استماع استمرت ثماني ساعات ونصف الساعة «كانت جلسة استماع جيدة، تمت ادارتها بشكل جيد جدا من قبل اشخاص صادقين وانا سعيد بالطريقة التي جرت بها الامور»، مضيفا: «الان، سنرى كيف ستحصل الامور». وتابع «لا اقاتل من أجل مستقبلي ولكن ضد الظلم. لو كان هناك شيىء ضدي لاختبأت في سيبيريا من الخجل». وطالب محققو الفيفا بايقاف الثنائي مدى الحياة، علما بانهما نفيا الاتهامات الموجهة اليهما، ومن المتوقع احتكامهما الى محكمة التحكيم الرياضي التي تتخذ من لوزان مقرا لها في حال لم يتغير الحكم ضدهما. وستصدر لجنة الاستئناف قرارها بحقهما مطلع الاسبوع الحالي بحسب ما علمت وكالة فرانس برس من مصادر موثوقة. والضرر الذي لحق ببلاتيني كبير جدا لانه اضطر الى سحب ترشيحه لرئاسة الفيفا، ونفى ان يكون بلاتر هو من كشف قضية هذه الدفعة «المتأخرة» بقوله «هل انا موجود في هذا الوضع بسبب بلاتر؟ على الاطلاق، لانه في نفس الوضع الذي انا فيه لكن احدهم قام بالتحريض (ضده) وسأسعى لمعرفة هويته». وسيكتفي أهم مسؤولين في كرة القدم حتى قبل أشهر قليلة بمتابعة انتخابات الفيفا من بعيد، هذا في العلن على الاقل، والتي يتنافس فيها خمسة مرشحين هم امين عام الاتحاد الاوروبي السويسري-الايطالي جاني إنفانتينو ورئيس الاتحاد الاسيوي البحريني الشيخ سلمان بن ابراهيم آل خليفة والاردني الامير علي بن الحسين والجنوب افريقي طوكيو سيكسويل والفرنسي جيروم شامبانيي.