رغم الارتياح الشديد داخل المجتمع السعودي بعد إلقاء شرطة منطقة الرياض القبض على مروجي مقطع إلكتروني على شبكات التواصل الاجتماعي، يتظاهر فيه شخص بنحر ابنه وتقديم مادة سائلة تشبه الدم لضيوفه لغسل أيديهم إمعانا في إكرامهم، فإن المقطع ترك جرحا غائرا في مجتمع إسلامي محافظ، ولا يزال يثير استياء الملايين من أبناء الشعب السعودي. ومع أن المقطع يبدو غير حقيقي (مشهد تمثيلي)، إلا أنه يكشف عن خطر كامن وقصور شديد في عقلية فئة من شبابنا، وناس من بيننا، يعبثون ويلعبون، فيشوهون ثوب وطن يمقت مثل هذه التصرفات غير المسؤولة، ويحرجون السعوديين في الخارج بمشاهد تعكس صورة سيئة عن مجتمعنا، غير مدركين أن العالم أجمع يضع تصرفاتنا تحت المجهر، وينتظر أعداؤنا أي هفوة؛ للإساءة إلينا ولديننا الحنيف، الذي نهى عن مثل هذه الممارسات الصبيانية. ومن أمثلة ذلك ردود الأفعال التي تلت تداول فيديو لسعوديين يغسلون أيديهم بدهن العود الملكي عقب وجودهم بإحدى العزايم ,الذي اعتبروه متابعون بأنه بزخ وكفر بالنعمة خصوصًا مع وجود أشخاص لا تجد ماء لتشربه ,و لم تمض عدة أيام على ذلك حتى ظهر مقطع آخر لمواطن يقوم بصب أكياس الهيل أمام الضيوف كنوع من الترحيب والتباهي. لم تقف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكتوفة أيدي , فقد نهت عن هذه الأفعال التي جاء الشرع بحرمتها، والإنكار على فاعلها وذلك من خلال البرامج التوعوية والإرشادية، وقد يتم اتخاذ الإجراء المناسب في حالة المجاهرة والمفاخرة والمباهاة بذلك والدعوة إليه وفق ما تقتضيه الأنظمة والتعليمات. وإذا كان من ارتكبوا تلك الجريمة في حق المجتمع لا يتجاوزون عقدهم الثاني، فإن العيب كل العيب على أولياء الأمور الذين يتركون أبناءهم هكذا يستخدمون الشبكة العنكبوتية ومواقع تواصلها من (تويتر وفيس بوك) دون رقابة أو توعية، وهو ما سبق أن حذر منه التربويون وخبراء علم النفس والمجتمع. و«الوئام»، في هذه المساحة، تدق ناقوس الخطر من تكرار مثل هذه الأمور، كما تحذر من المواقف المسبقة التي تتخذ ضد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعندما تحارب الهيئة ممارسات وتصرفات تضر بمجتمعنا وتضرب قيمه وأخلاقه في مقتل، وتهدد الهيئة باتخاذ الإجراء المناسب ضد من يقوم بأفعال حرمها الشرع فهي تؤدي واجبها الوظيفي تجاه الدين والمجتمع، وعندما تنهى عن المجاهرة والمفاخرة والمباهاة بالبذخ وغيره من الأعمال التي تمزق المجتمع، فإنها تسعى للقضاء على ظاهرة أخرى سلبية بدأت تتفشى في المجتمع. ونشير هنا إلى ما ذكره الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين…». نعم، طرأت على المجتمع متغيرات اجتماعية كثيرة، وهي في مجملها تعني تطوره وتغيره، ولكن على المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية والإعلامية أن تأخذ بناصية هذا التطور، حتى لا يتحول إلى أداة هدم لكل قيمنا الأصيلة، ولا يعطب جذور أخلاقنا المستمدة من ديننا الحنيف. ويجب أن يعلم الجميع أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي أسست بالرياض في عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، لا تبغي سوى حماية الدين، ووقاية المجتمع ومحاسبة كل من يشوه صورة الوطن بأفعال محرمة، وأثبتت الأيام أنها في كثير من المواقف تمثل حاجة أساسية لاستقرار المجتمع. ومع أن مثل هذه السلوكيات الفردية لا تقارن بما يحدث في مجتمعات أخرى حولنا، إلا أنها تبدو كبيرة في بلاد الحرمين الشريفين كونها قبلة المسلمين، ولها مكانة دينية عالمية تجعل تصرفات السعوديين مرصودة. ولذا، ينبغي أن نعلم جميعا أن النصيحة من أمور ديننا، ووجودها دليل على خيرية الأمة وفضلها. كما يجب ألا ننظر إلى الهيئة والشرطة وأجهزتها بعين عوراء، وألا نتصيد لهم الأخطاء، فهذه الأجهزة حائط الصد القوى لممارسات وسلوكيات عبثية يدمى لها القلب حزنا وحسرة على بعض شباب اليوم.