رحم الله رجال أمننا الشهداء الذين قضوا في التفجير الإرهابي التكفيري الآثم في مسجد قوات الطوارئ بأبها، وأحسن عزاءنا وعزاء أهليهم والوطن، فنجاحات رجال الأمن في التصدي للمجرمين، وضرباتهم الموجعة لهم، جعلتهم هدفا للإرهاب، وللأسف كانوا هدفا سهلا هذه المرة، وكان مصابنا أكبر وأبلغ، وماذا نقول غير لا حول ولا قوة إلا بالله. أمام هذه الحادثة الأليمة جدا، يأتي الألم مركبا من شعبتين، الأولى أن المعتدي من أبناء الوطن، غسل التكفيريون دماغه حتى قتل نفسه وقتل أبناء وطنه، والثانية تأتي من الجهات الأمنية التي تراخت جدا، فكان تراخيهم ثغرة، وهنا يجب ألا نخجل، فالمسؤول الأول عن هذا الحادث هي الجهات الأمنية، فالكل يعلم أنهم في مواجهة دامية مع وحش الإرهاب، وأن الوطن كله مستهدف، ورجال الأمن ومقراتهم على وجه الخصوص، وقد أرسل التكفيريون رسالة تحذيرية بليغة بمحاولتهم الأولى لتفجير مسجد قوات الطوارئ بالرياض، التي وفق الله الجهات الأمنية لإحباطها، وكذلك الجميع يعلم أن في مجتمعنا سذّجٌ تافهون يتبنون الفكر التكفيري، وينضمون دون تفكير إلى جهات خارج الوطن لينفذوا أجندتها. كتبت قبل أسبوعين مقالا في صحيفة مكة بعنوان "أمن الوطن أولا" تطرقت فيه إلى ضرورة أن تشدد قوى الأمن حراساتها، وتزيد من يقظتها في حماية مقراتها؛ لأنني فعلا كنت أخشى أن يحدث مكروه لهم، وقد ضيقوا الخناق على المجرمين، وها هو الحادث الآن يقع داخل منشأة عسكرية، يجب أن تكون تحصيناتها أقوى بكثير على أن يخترقها مجرمٌ محملا بالموت إلى رجال الأمن المصلين، الذين كان يجب أن يكونوا في تلك اللحظة آمنين، فلا يبرر تغيير موعد التفجيرات من الجمعة إلى غيرها تراخي التحصينات الأمنية، فنحن أمام عدو يناور، ويراقب ويتابع لاقتناص أي فرصة يطعن فيها الوطن. أستغرب بيان متحدث وزارة الداخلية بعد الحادث حين عبّر "بأن الإرهابي استغلّ وقت الصلاة" فهل للإرهابيين دين أو أخلاق؟، وهذا المسجد الخامس خلال أربعة أشهر، فإن كان قصد المتحدث أن التكفيريين لا يرعون حرمة زمكانية الصلاة، وإذا أراد الإلماح إلى غدرهم وخستهم، فلا يختلف على ذلك اثنان، واستغرابي يجيء من ملمح تبرير الحادث تذرعا بالصلاة، ونحن نعلم أنّ الإسلام شرع "صلاة الخوف" وبين كيفيتها مادام المسلمون في خطر، فليست الصلاة مبررا لضعف الحراسات على المقرات الأمنية أيا كان حجمها. لست مخطئا أبدا إذا حمّلت المسؤولين الأمنيين هذا الحادث، وإذا طالبت بمحاسبة كل المتسببين في ضعف الاحترازات والاحتياطات الأمنية، خاصة في الجهة المستهدفة في أبها، التي أجزم بأنها لو كانت مشددة لما تجرأ المجرمون وفكروا في دخول منشأة أمنية خالصة، وليست جهة ذات صلة بالجمهور حتى يبرر قائلٌ كثرة الحركة والتردد عليها. ربما ما يزال المسلسل طويلا، فحربنا ضد الإرهاب لن تنتهي مادامت المنطقة بكاملها من حولنا مائرة بالصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية والإجرامية، فما نراه عادلا يراه الآخرون تدخلا في شؤونهم، وهذا يجعلنا في حلبة الصراع مع التكفيريين، والأمر لا يكلفهم سوى اصطياد السذج من أبنائنا وتفخيخهم بالمتفجرات ليكونوا حرابا في خاصرة الوطن، مواجهة لن تهدأ إلا بهدوء المنطقة، وقوة ضربات مؤسستنا الأمنية التي يجب ألا تتراخى مطلقا، وكذلك قدرة مؤسساتنا الفكرية والثقافية والدينية على التصدي لهذا الفكر الإجرامي، ومحاربته بكل ما تملك من أدوات. وعلى ذكر المؤسسات الفكرية على اختلاف أنواعها وتأثيرها، يجب أن نعترف أننا أمام كارثة تعدد ولاءات عقدية خطيرة، فالإرهابيون الذين يقتلون رجال الأمن في القطيف يأتمرون من مراجع خارجية، وكذلك المجرمون التكفيريون الذين يستهدفون رجال الأمن والمصلين يأتمرون بأمر مراجع خارجية، وكلهم خائنون للوطن والوطنية، والمؤسف أن خطابنا الديني ما يزال باهتا في مواجهة الفكر المتطرف، وما تزال التهم متبادلة بين المثقفين والمتدينين على أن الخطاب الديني خلال الحقبة السابقة هو المسؤول عن خلق أرضية جاهزة لأن يبذر فيها المتطرفون أفكارهم داخل المجتمع، وهذه التهمة لا ينكرها إلا مجادل أفّاق، وشواهد ذلك أن كل شخصية متدينة تنحاز للوطن وأمن الوطن تُتّهم بتهمتين: الأولى (شيخ سلطة) والثانية: أنه جامي منبطح. ولا أدري ما الانبطاح الذي يقصده هؤلاء، فهل أصبح احترام الوطن وسلطاته وأمنه انبطاحا؟ وما عكس الانبطاح في منطق هؤلاء؟ هل يطلب هؤلاء من المشايخ والدعاة أن يقوضوا دعائم الوطن وأمنه حتى ينفوا عن ذواتهم هذه التهم. يفترض أن تكون إجابة هذه الأسئلة من مطلقي هذه التهم أمام محققي وزارة الداخلية، ولا أظن هذا استعداءً للسلطة، بل أمن وطن يجب أن يكون منارا للخير والسلام، لا وطنا متهما بتصدير الإرهاب بفعل السفهاء. رابط الخبر بصحيفة الوئام: من يحمي رجال الأمن؟!