لا شك في أن تنظيم القاعدة في السعودية لم يعد يملك من القوة ما يؤهله للمواجهات المسلحة، لكن التنظيم يملك بعض القوة في اليمن وذلك بسبب الانفلات الأمني هناك، وهو هناك أيضا كالحيوان الجريح يعيش أصعب وآخر مراحله من ضعف وخور ومتوقع بإذن الله قرب هلاك وانتهاء تنظيم القاعدة بشكل تام. ومن المؤكد أن القاعدة من الناحية التكتيكية والإستراتيجية والتنظيمية في منتهى الضعف والوهن والخور، وذلك بالنظر لتراجع مستوى التعاطف الديني والشعبي والأخلاقي والاجتماعي والمالي مع هذا التنظيم، سواء على المستوى السعودي أو على المستوى الإسلامي. تنظيم القاعدة وصل لهذه المرحلة بعد القضاء على معظم قيادته في السعودية واليمن، ومع ذلك قد يؤذي ويقتل حيث انه لم يعد يملك شيئا ليخسره. من المؤكد أن تنظيم القاعدة منهار منذ عدة سنوات، وأن ما يوجد الآن ليس إلا مجموعات عشوائية من أهل فكر ضال وتكفيريين يقودون أنفسهم ويدعون انتماءهم للتنظيم، ولكن لا يوجد تنظيم واضح كما كان في السابق، وهذا يعود بحمد الله للقضاء عليه من قبل الأمن السعودي، وبقاء أفراد صغار شكلوا مجموعات يتسمون باسم «القاعدة» ولا تعلم «القاعدة» عنهم شيئا. وإستراتيجية التنظيم في هذه المرحلة تتمثل باللجوء إلى التضخيم الإعلامي بحيث يقوم بعملية يصفها بالنوعية ويقوم بالترويج من خلال أدواته الإعلامية المتوافرة ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال مواقعه الالكترونية والمتعاطفين معه. وهذه العملية تزامنت مع مرور خمس سنوات على محاولة اغتيال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف فارس الأمن في بلاد الحرمين بواسطة الأيادي القذرة والنجسة للقاعدة وأذنابها وبفضل من الله من لم يمسه سوء وخسر الإرهاب كعادته، وبالتالي كان استهداف إدارة المباحث يصب في هذا السياق، فأي منشأة أخرى يجري استهدافها لن تحقق الهدف الإعلامي الدعائي والترويجي الذي تسعى إليه «القاعدة» لإثبات وجودها, ودخول خلية إرهابية لها يعد انتحارا بكل المقاييس، ومحكوم عليه بالفشل المؤكد. ومن الناحية الأمنية، هناك عدة أمور نستطيع استنباطها: أولها أن المواجهة الأمنية كانت مع أشخاص أتوا ليموتوا، ولا يوجد أي أفق آخر لهم وأتوا فقط لينتحروا، وهذه عقيدة يائسة محبطة منهزمة ومشوشة فكريا, كذلك أن الحرب مع الإرهاب تتمثل في قوات نظامية في مقابل تنظيمات وعصابات إرهابية تعتمد أساسا على الخدعة والمخاتلة والقتال اليائس الانتحاري، العملية من بدايتها إلى نهايتها كانت عملية يائسة انتحارية، فمن يخترق نقاطا أمنية ويتحصن في مقر أمني وهو متأبط بحزام ناسف، ليس لديه أي هدف سوى إعلان بطولة زائفة وهمية، وإحداث بلبلة، وفي النهاية هو مقتنع بأنه (ميت) لا محالة. لا شك أن حادث شرورة مرحلة من مراحل اليأس والقنوط التي تعيشها التنظيمات الإرهابية بعد فشلها في استهداف الأمن السعودي وإحداث الفوضى. مع أنه كانت هناك عدة محاولات سابقة على النقاط الحدودية السعودية اليمنية، كلها باءت بالفشل بفضل الله، وتمكن الأمن السعودي من دحر خلايا وتنظيمات الإرهاب وعناصره بشكل واضح وجلي، ولم يبق للخلايا الإرهابية إلا هذه المحاولات اليائسة. ولا شك في أن «القاعدة» من الناحية التكتيكية والإستراتيجية والتنظيمية في منتهى ضعفها، وهي أقرب للانتهاء، بعد انهيار الزخم الفكري والإعلامي والاستراتيجي الذي كان منهالا عليها، ولكنها في أخطر مراحلها، ومن المؤكد أن ادعاءهم الإسلام ونصرته لا يمت للدين بأي صلة، وهذا ما أكده هجومهم على مسلمين صائمين في وقت أداء صلاة الجمعة، فما ينادون به مناقض لما يفعلونه، فالإسلام يحرم قتل المسلم لأخيه المسلم والسطو والاعتداء، وما قاموا به عكس ذلك تماما، وهذا يؤكد فكرهم المتطرف وتناقضه، وافتقارهم حتى لأخلاقيات العصابات، فما يقومون به يؤكد عدم وجود فكر وأخلاقيات حتى المجرمين. فهم جماعات بربرية تقاتل كيفما شاءت ويفتقرون حتى لأدني أخلاقيات العصابات المنظمة. وعن اختيار القاعدة لوقت العملية فإن هذه الفئة الضالة ترى نفسها في «جهاد» ويشرع «للمجاهد» ما لا يشرع لغيره من انتهاك للحرمات وترك للواجبات التي فرضها الله كعدم صلاتهم بالجماعة في المساجد للحجج الواهية ذاتها. فمن يستبح دماء المسلمين فلن يأبه بما سواه، ناهيك عن أن هذا الوقت هو الوقت التكتيكي بالنسبة لهم للقيام بعملية الهجوم، فهم يدركون أنه ساعة صلاة في يوم جمعة مباركة في شهر مبارك، وبالتالي فإن غالبية الحراسات ستكون حتما في المسجد لأداء الصلاة, فكيف بهذا التنظيم الشيطاني أن يقوم بمثل هذه العملية ويسفك الدماء المحرمة والمعصومة في شهر رمضان ووقت صلاة الجمعة مع إن الغوغاء والسذج يرون انه يدافع عن الإسلام فأي دفاع هذا. ولا شك أن أحد أسلحة الإرهاب اليوم والتي ما زالت تعمل بجهد هو التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي التويتر والتي تصنع لهم بطولة إلكترونية وهمية لا أكثر، ولمحاولة تقديم نوع من البطولات الهزلية والوهمية للتنظيمات الإرهابية بأن لها عمقا داخليا وترحيبا من قبل متابعين سعوديين، في إشارة إلى أنهم يحاولون إيهام المتابعين والمراقبين بقوتهم ,وهذا مما يثير الشك حول من يدير هذه الحسابات بأن لهم صلة باستخبارات دولة معادية تدعم هذه التنظيمات فكل هذه العمليات تخضع لأجندات ومصالح دولية غير خافية، مما يؤكد أن هذه التنظيمات تعمل بتوجيهات استخباراتية لزعزعة أمن منطقتنا كلها. حادثة شرورة يجب أن لا تمر مرور الكرام فمن قام بها هم من أبناء هذا الوطن ونحتاج فعلا لحرب الإرهاب حربا فكرية لا هوادة فيها، لا يستطيع عاقل يرى ما يحدث في وطننا الغالي ثم لا يثمن ويقدر الجهود الأمنية المباركة التي قام ويقوم بها رجال الأمن وأسود الوطن فلقد قاموا بالواجب وأكثر، ولكن الجهود الأمنية مع وجوبها وضرورتها فهي تعالج جزءاً من المشكلة وليست المشكلة كلها. الجهود الأمنية تحارب الإرهابي الذي يحمل السلاح ولكن الإرهابي بفكره الذي لا يحمل سلاحاً ولكن ينشر الإرهاب بالفكر والتعاطف وتبرير هذا الإجرام في حق الوطن وأهله من يحاربه. الإرهاب والعنف السلوكي لابد أن نعترف جميعاً بأنه بدأ بإرهاب وعنف فكري واعتقادي. ودائماً الفكر يولد السلوك. إذاً حتى نحارب الإرهاب والعنف حرباً حقيقية واضحة وقوية يجب أن نحارب الجذور الفكرية التي تغذي الإرهاب. هذا ينطبق على جبل الثلج العائم فلو تعاملنا مع الظاهر من الجبل هذا لا يمثل شيئاً يذكر مع ما هو تحت الماء (غير ظاهر). إذاً مع حرب الإرهابي الذي يحمل السلاح علينا، يجب أن نتعامل مع الإرهابي الذي لم يحمل السلاح بعد وإنما ينتظر فرصة مواتية وهذا هو الخطر القادم. وهنا لابد من إستراتيجية واضحة جلية للتعامل الأمثل مع هذه الظاهرة. ولله الحمد والمنة فلقد قطعنا مشواراً أكثر من جيد وأكثر من رائع في التعامل مع المسلحين الذي كان همهم وشغلهم تدمير الوطن ومكتسباته ولكن يجب أن نؤجل الاحتفال للنهاية. وحتى نتعامل مع الإرهاب الفكري أعتقد أنه يجب على الجهات المختصة تشكيل فريق عمل من المتخصصين تحتضنهم مثلاً وزارة الداخلية ويكون لهم اجتماع شهري تشاوري لدراسة النشاطات الفكرية المناقضة للفكر الإرهابي ولكن لابد من عدة نقاط أود التنبيه عليها للأهمية الفكرية لمحاربة الإرهاب. منها: أهمية الدعاء للوطن ولرجال الأمن في هذا الوطن والدعاء على الإرهابيين كل جمعة في كل مسجد مثلما يدعى لإخواننا المسلمين والأقربون أولى بالمعروف. هذا سوف يخلق جواً عدائياً وقاسياً للإرهابيين فعدد من المتعاطفين معهم يصلي الجمعة وعندما يسمع الإمام والمصلين يدعون عليه سوف يخلق له جواً خانقاً مؤذياً. كذلك أتمنى من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إيجاد كتاب سهل للإمام حتى يقرأه على المصلين يبين حقوق الوطن وولاة الأمر وتحريم العنف والقتل وبيان فضل الجماعة والبعد عن الفرقة. المسجد له دور أساس في الحفاظ على أمن الوطن ويجب أن يستفاد من موقعه وتأثيره. كذلك مازال عدد من مساجد الجمعة تخطب بأسلوب حماسي ناري شديد ومع تعاطفنا الشديد مع إخواننا المحرومين والمظلومين في أرجاء المعمورة إلا أننا وبطريقة غير مباشرة ندفع عدداً من مراهقينا للذهاب هناك للدفاع عنهم بالسلاح وهذا تصرف تنقصه بلا شك الحكمة. يجب أن نتأكد من أن مدارسنا خالية تماماً من كل متعاطف مع الإرهاب فلا نريد متعاطفاً مع العدو في مدارسنا. وهنا لابد للمدرسة أن تنشر وبقوة ثقافة الحرب على الإرهاب بأن يشمل الاصطفاف الصباحي والفسحة كلمة عن الإرهاب والعنف وحب الوطن والانتماء له وفكر الخوارج والتحذير من الفتن وأهمية الأمن في المجتمع والآثار المترتبة على الفوضى الأمنية. إخواني: أن نحارب الإرهاب ونقضي عليه أهم بكثير من مشروع طريق أو مستشفى أو جامعة أو غيرها من المشاريع التنموية لأن الإرهاب يقضي ويهدم المجتمع كله، ولن نموت لو تأخر مشروع حيوي سنة أو سنتين ولكن سوف وبلا أدنى شك سنتأثر لو تأخرنا في حربنا على الإرهاب سنة أو سنتين أو أكثر. الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ساقت إلينا مشاكل كثيرة ولابد من السيطرة عليها بأي طريقة كانت ومن هذه الطرق تشغيل عدد من الشباب الهواة للانترنت والدفع لهم مقابل أوقاتهم للبحث عن المواقع المشبوهة وتدبرها أو على الأقل الإبلاغ عنها. للأسف، أعداؤنا وأعداء وطننا يوجد بينهم تنسيق عبر الإنترنت ويجب أن نقطع هذه الاتصالات وأن يكون هناك جهود منسقة لهذه الحرب الالكترونية كذلك يجب أن يكون هناك مواقع وجهود للتعامل مع المتعاطفين مع الإرهاب والإرهابيين في الإنترنت. إذاً نحن أبناء الوطن الأوفياء يجب أن نتقدمهم بالفكر ونحاربهم بالفكرة ونقاومهم بسلاحهم. أتمنى مرة أخرى من وزارة الداخلية وهي الجهة المسئولة الأولى عن الأمن في المملكة تشكيل لجنة من أهل الاختصاص وعمل ورشات عمل لهم لتنسيق الجهود بين كافة الجهات الحكومية والأهلية والخاصة لإيجاد مشاركة شعبية وجماهيرية لمحاربة ومكافحة الإرهاب فكرياً قبل ما يتطور لإرهاب سلوكي ويجب أن لا ننسى أن ما يصرف أو قد يصرف على الحرب الفكرية على الإرهاب أقل بكثير ولا يقارن مع مصروفات مكافحة الإرهاب والإرهابيين بالسلاح.. إخواني: يجب على الجميع بلا استثناء محاربة الإرهاب والعنف والدفاع عن الوطن بكل غال ونفيس لأنه عندما يكون الوطن في المحك يكون الحياد جريمة وانحرافاً. ويجب أن نعلم جميعا بأنه ليس هناك ما هو أغلى وأهم من أمن الوطن؛ فالأمن مثل الهواء لا يستغني عنه أحد، فالوطن لو ضاع - لا قدر الله - لن يجد أولئك ركنا آمنا ليمارسوا عباداتهم عليه، ناهيكم عن الخوف والرعب والجوع والمرض وغير ذلك مما يتعرضون له بفقدهم لوطنهم - لا قدر الله -. و»المواطن رجل الأمن الأول» مفهوم وطني وأمني لابد أن نستوعبه جميعا في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد ومقار العمل، ولا بد أن نكرس مفهوم الإبلاغ عن كل ما يشتبه بأنه قد يضر بالوطن أو قد يسبب الأذى للناس، ولا بد أن نتبنى جميعا فكرا وقائيا مضادا للفكر الضال المنحرف عن جادة الصواب، ولا بد أن نمارس دورا أمنيا حقيقيا بالاعتدال والوسطية ونبذ العنف والتشدد وأن نؤسس في الجميع خاصة الشباب الحس الأمني تجاه وطننا وما يواجهه من أخطار. ويجب إعلاء قيمة الوطن لدى المواطنين دينيا وتربويا واجتماعيا وإعلاميا وفكريا في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام، التي يبدو أنها آخر من يعلم، فتراخي وزارات (الشؤون الإسلامية والتربية والتعليم والتعليم العالي، والثقافة والإعلام) يؤكد وكأن الجهات الأمنية للأسف تحارب الإرهاب وحدها، وكأنها هي فقط من عليها المحافظة على أمن الوطن، وليس كل تلك الوزارات والإدارات التي لها مساس مباشر بشريحة كبيرة من المواطنين، وصفتها تلك تحتم عليها أن تسعى إلى تشكيل وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على أمن الوطن واستقراره. وكذلك من المهم العمل على إيجاد مراكز بحوث اجتماعية أمنية لمتابعة مثل هذه الحالات، والتعرف على أسبابها وتوعية المجتمع حول كيفية تلافيها وعلاجها. سائلا الله تعالى أن يحفظ وطننا هذا من كل شر ومكروه ومن كل عابث وحاقد، بقيادته الراشدة وأن يجعل هذا الوطن كما كان وسيضل بإذن الله منارة للأمن والاستقرار وللخير والكرم والبذل والعطاء لكل إنسان.