منذ ظهور الإدارة كممارسة وهدفها خدمة الآخرين واستثمار الموارد المتاحة لتحقيق أهداف الجماعة، وتطورت كعلم له نظرياته التي تصف وتفسر الظواهر الإدارية لتستمر كأسلوب في خدمة المؤسسات وعملائها والعناية بالموارد لتحقيق أقصى منفعة للإنسان ثم تبلورت الإدارة في صورة أكثر شمولية لتصبح علم وفن ومهنة الاستثمار الأمثل للموارد وخصوصا البشرية منها. والجامعات كمؤسسات علمية تتسم بالتعقيد والتشابك في رؤيتها وأهدافها وهياكلها وسلطاتها وممارساتها الإدارية وتتطلب أنماط قيادية وإدارية فاعلة قادرة على أن تجعل الإدارة في خدمة الجامعة وليس العكس خاصة مع غياب الشفافية وانتشار ظاهرة الصراع داخل هذه المؤسسات بشكل كبير، والمتتبع لأداء الجامعات وما يكتب عنها يلمس أن الجامعة تعمل لخدمة الإدارة وهي عملية عكسية لم يجب أن تكون عليه الإدارة بحيث تكون الإدارة في خدمة الجامعة، وأيضا يكتشف غياب الشفافية في أداء كثير من المؤسسات الجامعية ويبدو ذلك جليا في عدة مؤشرات منها تحول مفهوم الولاء إلى بعض أشكال النفاق التي تهدف إلى أرضاء القيادات الجامعية وتحميل الشخصيات القيادية مسؤولية كل الأخطاء مما يتسبب في قتل روح المخاطرة والابتكار وعدم دقة اختيار بعض القيادات الجامعية وتعدد وتداخل الجهات الرقابية حتى أصبح الخوف ثقافة للعمل المؤسسي الجامعي وانتشار ثقافة البحث في سلبيات وتجاوزات القيادات السابقة ومحاولة النيل منها والاعتماد بصفة مطلقة على الإحصاءات والتقارير في تقييم العمل الجامعي والقائمين على تنفيذه وإدارته وهو لا يخلو من العامل الشخصي الذي تكمن خطورته في التعيين للمناصب العليا بالجامعة. وأعزو ذلك بالدرجة الأولى إلى أن كثيرا من الجامعات تعاني من غياب النمط القيادي الديمقراطي المتفاعل وغياب الثقافة التنظيمية الداعمة لمفاهيم الشفافية والنزاهة وانغماس مدراء الجامعات في العمل الإداري الصرف والتركيز على الأساليب أكثر من الأهداف وهم بحاجة إلى ممارسة الإدارة بالرؤية المشتركة أو ما يعرف بالإدارة على المكشوف والتي يتم فيها الاهتمام بالوسائل والأهداف بشكل شمولي بحيث تغرس رؤية ورسالة الجامعة في عقل وضمير ووجدان العاملين على اختلاف مستوياتهم وعدم تقسيم الأهداف الاستراتيجية والعمل على تقسيم ادوار وأدوات الوصول إلى هذه الأهداف وإطلاق الحريات للإبداع والابتكار. والإدارة على المكشوف في الجامعات تعطي قيمة كبيرة للتغيير في عناصر النظام ككل بشكل مستمر بما يسهل أداء وظائف الجامعة التعليمية والبحثية وخدمة المجتمع إلى الدرجة التي تجعل التغيير جزءًا من ثقافة الجامعة وأساليب تطوير الأداء بها وإخراج الطاقات الكامنة والتفويض والتمكين في أعلى صورهما وتنمية أسلوب التمتع بحرية التجريب واكتشاف الجديد والتخلص من عقدة الخوف من الخطأ والفشل والوصول إلى أعلى درجات الولاء والانتماء للجامعة والوطن الأم والإسهام الفاعل في القضاء على مظاهر الفساد. وإذا ما أردنا النهوض بالجامعات فإن الواجب علينا فهم الإدارة كعلم وعدم ممارسة الإدارة إلا بتأهيل علمي منهجي لأنها المعيار الأول في نجاح المؤسسات أو فشلها والاستفادة من الممارسات الإدارية الناجحة بعيدا عن العشوائية.. والله من وراء القصد. رابط الخبر بصحيفة الوئام: انعكاس مفهوم «الإدارة في خدمة الجامعة» إلى «الجامعة في خدمة الإدارة»