الشيخ أحمد قاسم الغامدي يمر بالأزمة التي مر بها الداعية عائض القرني قبل سنوات بعد فتواه بجواز كشف وجه المرأة، فآثر الشيخ عائض الانزواء والاعتزال وكتب قصيدته "القرار الأخير" التي تتفجر مضامينها عن معاناة وتشظيات الرجل الذي يحاول توخي الوسطية، لكنه اصطدم بتيار عنيف لا يقبل الخروج على رؤاه ولا رؤيته، حتى اضطر للانعزال، ثم عاد مسالما لا يقوى ربما على التفكير في الاختلاف أو نقد بعض التوجهات، وعندما انصاع وأطاع لم يشنعوا عليه سرقة كتاب "العضيدان". هذا التيار العنيف، والذي يتجاوز ضد خصومه ومخالفيه تعاليم الدين وأدبيات الحوار، يجب ألا يستسلم له الوسطيون الذين استبانوا الحق، فلا قداسة لقول بشر غير قول محمد، صلى الله عليه وسلم، وإذا جمد الدين في رؤية مجتهد في عصر من العصور، فلا حاجة اليوم أن ننشئ كليات شريعة، وتخصصات يفترض بها أن تخرج باحثين ومجتهدين جددا يقدمون في أطروحاتهم آراء تُحترم. قبل سنوات كنت أتابع برنامج "الجواب الكافي" الذي يقدمه محمد المقرن على "قناة المجد"، وكان ضيف الحلقة عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المطلق، فسأل سائل عن عورة المرأة بين النساء، فرد الشيخ أنها كعورة الرجل بين الرجال، فاستشاط المقرن (مقدم البرنامج) غضبا، وقارع الشيخ وتجاوز في مقارعته حتى قال لا تفتح علينا بابا، وكان الشيخ حليما، فرد عليه بقوله "يا محمد الناس تقرأ، وهذا مدون في الكتب، وسيقرؤونه فيها". اللافت في هذه الحادثة، أن مقدم البرنامج كان يقول "لا تفتح علينا بابا"، فعلى من تعود (نا) علينا، أيقصد المسلمين بعامة؟ أم يقصد المذهب؟ أم الفرقة؟ أم ماذا يقصد؟ وهل صار دين الله مخصوصا لفئات تتحكم به، وتتعصب لرأي دون آخر؟ المثير أنه في الأسبوع الثاني من البرنامج استضاف المقرن الشيخ عبد العزيز الفوزان، وبسط القضية أمامه في حماسة واستنكار لفتوى المطلق، فشنع الفوزان على الشيخ قوله، وأسهب في رده. فقادني هذا الموقف من مقدم البرنامج إلى البحث عن عورة المرأة بين النساء، ووجدت ما قاله الشيخ المطلق صحيحا لا مراء فيه. لست ضد الاختلاف، أيا كان مصدره، لكن إلى متى ينظر هذا التيار إلى أن المجتمع جاهل، وسيتخلى عن دينه وشرفه وحيائه بمجرد ظهور قول مخالف؟ ولماذا نردد أن "اختلاف العلماء رحمة" لكننا نقتر على عباد الله عندما يكون الاختلاف مخالفا لاجتهادات بعض علمائنا، وننزل أقوالهم منزلة المقدس الذي لا يمس؟ نحن هنا أمام حالة من الفصام التي يجب أن يعيد العلماء النظر فيها، ويبتغون فيها وجه الله والآخرة، وألا يضيقوا على الناس ما اتسع من أمر دينهم، فالحملة التي تشن اليوم على الشيخ الغامدي، وقبلها على الشيخ الكلباني، والشيخ عائض والشيخ ابن منيع، وغيرهم، في اجتهاداتهم تكشف عن وجه قاتم للإقصاء، وأحادية الرؤية، وكأن الله قد اصطفى هؤلاء على عباده، ولا حق للآخرين في الاجتهاد. إذا كان ثلث مجتمعنا يوافق غالبية العالم الإسلامي في إباحة كشف وجه المرأة، فلماذا نشنع على الشيخ أحمد، ولماذا يرى البعض أنفسهم أوصياء على الناس، إن أملوا لهم الحبل قليلا ضاعوا وفسدت الأرض، وهذا بالتمام ما يحدث في منع المرأة من قيادة السيارة، وإباحة مرافقتها للسائق الغريب. يجب ألا يعمي فرح خصوم التيار الديني العلماء، فانتساب الغامدي إلى المؤسسة الدينية، وتصرفه الموافق لدعوات خصومهم فجر الغضب الذي نراه اليوم يتجاوز حدود الدين والعلم والأدب، فقسوا كثيرا على مجتهد رأى ما رأى، ويوافقه الكثيرون داخل الوطن، فليكن الخطاب واعيا، والرد بقال الله وقال الرسول، بعيدا عن تأجيج مشاعر المسلمين. وأقول للشيخ الغامدي، لقد كنت شجاعا عندما فعلت ما قلت ورأيته الحق، ومن ينعتك بالمنافق ربما لم يقرأ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف 2) @ahmad_helali رابط الخبر بصحيفة الوئام: الغامدي في مهب الغضب الأعمى!