لعل من أبرز القضايا التي دار - وما زال يدور - حولها نقاش حاد على الساحة السعودية قضية المرأة: تعليمها، عملها، سفرها، حجابها، قيادتها للسيارة، ... الخ، وسأتناول في هذا المقال قضية محددة، ناقشها العلماء المتقدمون، واستمر النقاش فيها بين العلماء المعاصرين، وشاركهم في الحديث عنها المثقفون والمفكرون ... الخ، على حد قول الشاعر: لقد هزلت حتى بدا من هزالها .. كلاها وحتى سامها كل مفلس إنها عورة المرأة أمام الرجال الأجانب، وبالتحديد وجه المرأة، هل هو داخل في عورتها أم غير داخل فيه. وللحديث حول هذا الموضوع فإنه من المناسب أن نتفق على أن العورة هي: ما يحرم كشفه من الجسم، أو ما يجب ستره منه، سواء كانت العورة لرجل أو امرأة، إذ لكل منهما عورة محددة أمام الأجانب والمحارم والزوج، وقد عرَّفها بعض العلماء بأنها ما يحرم النظر إليه، وينبني على هذا التعريف أن وجه المرأة عورة حتى لو لم يجب عليها ستره؛ لأنه لا يجوز النظر إليه. لقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وغيرهم إلى أن جسم المرأة كله عورة أمام الرجال الأجانب ما عدا الوجه والكفين، قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/115): وأما المسألة الثالثة وهي حد العورة في المرأة، فأكثر العلماء على أن بدنها كله عورة ما خلا الوجه والكفين، وذهب أبو حنيفة إلى أن قدمها ليست بعورة، وذهب أبو بكر بن عبدالرحمن وأحمد إلى أن المرأة كلها عورة، وسبب الخلاف في ذلك احتمال قوله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»، هل هذا المستثنى المقصود منه أعضاء محدودة، أم إنما المقصود به ما لا يملك ظهوره؟ انتهى. وينبني على رأي الجمهور وجوب ستر المرأة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، ووجوب غض الرجال الأجانب نظرهم عن عورتها المحددة بما عدا الوجه والكفين، ولكن الفقهاء - مع إخراج جمهورهم وجه المرأة وكفيها عن حدود العورة - اتفقوا على أن ذلك مشروط بأمن الفتنة، فإذا خشيت الفتنة فإنه يجب على الرجال الأجانب غض بصرهم عن النظر إليها لعموم قول الله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون». فإذا لم يغض الرجال الأجانب أبصارهم عن النساء أثموا، ومن ثَمَّ أفتى عدد من العلماء القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة بوجوب تغطيتها لوجهها حسمًا لمادة الفتنة، قال الإمام النووي في روضة الطالبين (7/21): الضرب الأول: نظر الرجل إلى المرأة، فيحرم نظره إلى عورتها مطلقا، وإلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة، وإن لم يخف فوجهان: قال أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمين: لا يحرم لقول الله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»، وهو مفسر بالوجه والكفين، لكن يكره، قاله الشيخ أبو حامد وغيره، والثاني يحرم، قاله الإصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد والإمام، وبه قطع صاحب المهذب والروياني، ووجَّهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع سد الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، انتهى. وخلاصة القول أن خلاف العلماء في هذا الباب ينبغي أن يتّخذ مخرجا للنساء المسلمات في بلاد الكفر وفي البلاد الإسلامية التي لا تحكم بشرع الله - للأسف -، ولا يصح أن يتّخذ وسيلة لنزع غطاء الوجه في بلادنا التي تمثل آخر قلاع الإسلام، خصوصا في هذا الزمن الذي كثر فيه الفساد وطمّ، وانتشر وعمّ.