مثلما توقع الشيخ عبدالرحمن البرّاك صاحب فكرة «غطيها وتوكل»، ثار «جنود الشيطان» وخرجت كتيبة القصف العشوائي وردت بجملة من قاذفاتها طالت الشيخ، الذي وجد نفسه محاصراً، فأطل احد تلامذته للدفاع عنه لكنه «جا يكحلها عماها» فأتى كدليل إثبات على تورط الشيخ بتطرف الفكر، إذ إن تلميذه «النجيب نت» من خلال ما بثه على المواقع الالكترونية نهج طريق «هي خاربة خاربة خلينا نعميها». لكن أمام الشيخ وتلميذه فرصة ذهبية الآن، فالشياطين ستصفد خلال أقل من شهر مع حلول «رمضان المبارك»، وجنودها ستعيش في عزلة لأكثر من 30 يوماً، ما يشجع على رجمها ورجم جنودها وضباطها الذين يوسوسون للمرأة بعقلها ويرفضون سترها ويُطالبون بتعريتها. طبعاً منطق غريب ذلك الذي يتبناه الشيخ ويخاطب به عقول تلاميذه، والأغرب أن ذلك المنطق لا يقتصر على اتهامه الصحافيين بجنود الشيطان، بل ذهب أبعد من ذلك عندما أشار في المحاضرة ذاتها التي ألقاها إلى أنه لولا الأنظمة لساد الفساد المدارس، فهو هنا يتهم الطالبات كافة بالانحلال، أليس هو من قال: «لو لم يُفرض النظام في المدارس واللبس الساتر، لتهتكن»! الأكيد أن جماعة «غلّفها وتوكل» لا ينظرون إلى المرأة على أنها إنسان، بل هي أداة يمكن الاحتفاظ بها لوقت الحاجة، ولولا أن منّ الله عليها بأمثال الشيخ البرّاك لوجدنا الفواحش على الأرصفة، هذا من جانب، أما الجانب الأخطر فهو الاختلاف معهم، فالقاعدة هنا هي «إن لم تكن معي فأنت ضدي»، بمعنى أنه لا مجال للحوار ولا مجال للإقناع، عليك التنفيذ والتسليم بصحة ما يوردونه فهم لا يخطئون ولا يمكن أن يخطئوا، أي منزهون، لذلك وجدنا أحد تلامذة البرّاك يخرج مدافعاً عنه مشنّعاً بالصحافية وبالصحيفة وبالقائمين عليها. ومع كل هذا التشنيع لم «يطب خاطره» فتحول إلى القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض الشيخ عيسى الغيث، وخلص إلى التقليل من مكانته بقوله: «يجب عليه أن يتثبت، وهو القاضي الذي يحكم بين الخصوم، خصوصاً في خبر تنقله امرأة صحافية، عن عالم فحل له مكانة في العلم والدعوة ووزنه عند العلماء والقاعدة العامة، وكان أستاذاً جامعياً، قبل أن يولد فضيلة القاضي»، أما الزميل محمد آل الشيخ فهو أيضاً لم يسلم منه فاعتبر ذلك التلميذ النجيب أن ما قاله طريفاً وآثار ضحكه... أضحك الله سنك أيها التلميذ. أمام تصدع كتل التطرف وتآكلها، نجد أنفسنا بين خيارين، إما أن نسعى لمحاورتهم وإعادتهم إلى الإسلام وسماحته، أو أن نصبح مرتزقة وجنود شيطان وعلمانيين وليبراليين، لا دعوة مستجابة لنا «مثل الله يهديهم» لأننا شياطين بالفطرة ونعمل على تغريب المجتمع وهدم قيمه. كتبت في السابق، وكتب كثيرون قبلي وبعدي، عن التطرف لدى البعض وضرورة التصدي لهم، لكن لا يبدو أن تلك الدعوات لاقت نصيباً من الاهتمام والبحث، وأدى هذا إلى تقسيم المجتمع وانقسام الرأي، فاليوم نحن لا نعلم شيئاً عن الحكم الشرعي في الاختلاط، وأيضاً لا نعلم حكم الغناء، بل إننا لا نعلم حكم الصلاة خلف إمام أباح الغناء، مثلما صدر أخيراً بعد الحملة التي نالت الشيخ الكلباني إثر تحليله الغناء. والغريب أن بعض المشايخ يشبهون إلى حد كبير شركات الاتصالات المختلفة، فهذه الأخيرة لا تقبل نقاشاً ولا جدالاً ما لم يتم تسديد المبالغ المفوترة «ضدك»، وكذلك بعض المشايخ لا تناقش ولا تجادل ولا تسأل نفذ فقط، فإن فعلت عكس ذلك فأنت تسعى إلى المفسدة أو التشكيك في العلماء أو النيل منهم، وستفاجأ بالكثير من النعوت تلتصق بك لمجرد انك تريد أن تعرف. تلك هي الإشكالية، فنحن اليوم نريد أن نعرف كيف لشيخ جليل أن ينزلق ويشطح لسانه وعلمه، ليقذف نساء مجتمع أياً كان من خلال قوله انه لولا الأنظمة لتهتكن في المدارس؟ وكيف يمكن لعاقل أن يصف أناساً يعملون ليل نهار، ليؤمنّوا لقمة عيش شريفة لأبنائهم بأنهم «جنود شيطان» لمجرد أنهم يختلفون معه في الرأي؟ وبخلاف ذلك كيف يمكن لأي عاقل الاقتناع بما قاله فضيلته بضرورة أن تغطي المرأة شعرها ورقبتها ووجهها أمام النساء، «إلا في الجلسات المختصرة»، تُرى هل من عقل يقبل ذلك؟ إذا كان هناك بالفعل عقل يقبل مثل هذه الأفكار، إذاً دعوني استأذنكم لأوسوس لأحد الموجودين حولي! [email protected]