رجعت المطربة اللبنانية صباح إلى ضيعتها اليوم الاحد في نعش ملفوف بالعلم اللبناني لتوارى الثرى بعد رحلة طويلة أضفت فيها إشعاعا فنيا على شتى ربوع الوطن العربي. جانيت جرجي فغالي ابنة قرية بدادون عند أول سفوح جبل لبنان عادت اليوم جبلا إلى بلدتها مودعة على هذه الارض خزائن فن ذهبية ووصية لمحبيها بان "يرقصوا ويدبكوا في يوم رحيلها ولا يحزنوا لأنها عاشت حياتها بفرح". على وقع أغنيات "راجعة على ضيعتنا ع الارض للي ربتنا" و"ع الضيعة يما ع الضيعة" وصل جثمان الشحرورة كما كانت تسمى إلى منطقة وادي شحرور على بعد 15 كيلومترا عن بيروت حيث يوارى الثرى في مسقط راسها في قريتها بدادون. ومر موكب التشييع بجبال لبنان التي غنتها صباح وأرغمت الناس الموكب على التوقف في كل قرية للترحيب بجثمان صباح فيما كانت أصوات أجراس الكنائس تقرع وأغنيات صباح تتعالى عبر مكبرات الصوت. واستقبلت صباح بالألعاب النارية وبزفة في ساحة شحرورة الوادي التي سميت على اسمها في السبعينيات. وكانت كنيسة مار جاورجيوس في وسط بيروت غصت بالناس من رسميين وفنانين وشعبيين. وحمل أصدقاء صباح نعشها الملفوف بعلم لبنان على الأكف لدى وصوله إلى وسط بيروت وتراقصوا بالنعش على وقع عزف فرقة للجيش اللبناني أغنية "تسلم يا عسكر لبنان". وتعالت أغنيات صباح من المكان وخصوصا تلك التي تتحدث فيها عن الوداع ومنها "مسافرة ع جناح الطير تذكروني بغيابي" كما رقص المشيعون مع النعش على وقع أغنية "رقص أم عيون السود وخلي الشحرورة الصبوحة تغني ويهب البارود". وامتلأت باحة الكنيسة بصور صباح وبالأكاليل والزهور التي وردت من الكثير من الشخصيات السياسية والفنية وكان أبرزها من المطربة الكبيرة فيروز التي كتبت على الأكليل "شمسك لن تغيب". وسار خلف نعش صباح ابنها الدكتور صباح المقيم في الولاياتالمتحدة في غياب ابنتها هويدا الموجودة أيضا في أمريكا والتي يقول أقاربها إنها مصابة بصدمة من جراء خبر الوفاة. ترأس القداس الجنائزي بطريرك الموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي قال ان "صباح أدت رسالة زرع الفرح في قلوب الجماهير اللامحدودة من خلال 4000 أغنية بكل اللهجات و90 فيلما وعشرات المهرجانات وزرعت الفرح بابتسامتها الدائمة وحبها للحياة باناقتها وتواضعها بسرعة البديهة والنكتة الحاضرة بنوع خاص في قلوب الفقراء والمعوزين" أضاف "نودع الشحرورة صباح مع الفرح الذي أوصت به قبل الرحيل وسيبقى صوت صباح خالدا" وتوفيت الفنانة صباح فجر الأربعاء الماضي بعد إصابتها بوعكة صحية مفاجئة عن عمر ناهز 87 عاما بعد أن قضت ما يناهز السبعين عاما من عمرها في الفن متنقلة بين لبنان ومصر. شارك في التشييع رئيس وزراء لبنان تمام سلام ووزراء ونواب وشخصيات سياسية كثيرة بالاضافة إلى فنانين لبنانيين وسوريين ووفد فني من مصر يضم الفنانين سمير صبري ولبلبة وإلهام شاهين ونيللي كريم. كما شارك في التشييع زوجها السابق والأخير فادي لبنان. وقالت الفنانة المصرية لبلبة التي بدت متأثرة جدا وهي تسير خلف النعش باكية "أعزي الدنيا كلها بحبيبة قلبي صباح. عمر طويل بيني وبينها اشتغلت معها وأنا في السن الثامنة من عمري فيلم (يا ظالمني) ومنذ ذلك الحين بقينا على تواصل مع بعضنا البعض دائما". أما الصحفي اللبناني نيشان الذي كان قد أجرى أكثر من 15 مقابلة مع صباح فقال لرويترز "صباح هي ربح وفوز للفن اللبناني والعربي والعالمي هي فوز للحضارة العربية لانه إذا كان الفن هو واجهة الامم فصباح هي واجهة مهمة جدا ستعكس دائما باغنياتها وصوتها وحنجرتها المسكوبة بخيوط من ذهب."بحسب رويترز. أضاف "سنظل نتذكرها دائما كلما غنينا الشوق والحب والفرح والحنين الى الوطن عندما نغادر لبنان سنتذكر صباح وسنقول الله يرحمها ولكن… كم نحن فخورون كلبنانيين انها سكنت كل الوجدان اللبناني والذاكرة الوجدانية العربية." وقال المطرب اللبناني راغب علامة "صباح هي وطن. هي من الفنانات الكبار الذين أدخلوا الاغنية اللبنانية الى العالم. بنت جسور التواصل بين العالم العربي. هي علمتنا أن نكون جسور التواصل." وتدخلت الاعلامية بوسي شلبي لتقول "إن صباح هي مصرية كما هي لبنانية هي هرم من أهرامنا." وقال المطرب اللبناني وليد توفيق لرويترز "أعزي لبنان والوطن العربي بفقدان أرزة من أرزاتنا …الأسطورة صباح.أعزي كل الفنانين واليوم أرى ان هناك عرسا. هي رحلت لكن باقية في قلوبنا. الأسطورة من أجمل الأصوات هي علمتنا واستاذة بطيبتها وانسانيتها. الله يرحم صباح" بنصف مصرية ونصف لبنانية تدرجت في الفن وظهرت موهبتها على ضفاف النيل وخبأت حياتها لها قصصا مصرية مزجت بين الفن والحب والزواج والأمومة عندما أنجبت "حبيبة أمها" هويدا من أنور منسي. بدايتها الفنية كانت في صغرها في لبنان واستطاعت أن تتميز بشهرتها المحلية إلى أن لفتت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر والتي كانت تعمل في القاهرة فأوعزت إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق معها لثلاثة أفلام دفعة واحدة. ذهبت إلى مصر برفقه والدها ووالدتها ونزلوا ضيوفا على آسيا داغر في منزلها في القاهرة وكلف الملحن رياض السنباطي بتدريبها فنيا ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم وفي تلك الفترة اختفى اسم "جانيت الشحرورة" وحل مكانه اسم "صباح" في فيلم (القلب له واحد). وكانت صباح ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم في أواخر الستينيات تغني على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية وذلك في منتصف سبعينيات القرن الماضي. كما وقفت على مسارح عالمية أخرى. وفور رحيلها انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للفنانة الكبيرة صور قبيل وفاتها تكشف فيه عن رغبتها في اكتشاف الموت قائلة "لا اخاف الموت.. ونعم أريد اكتشاف العالم الآخر لأني تعبت". رابط الخبر بصحيفة الوئام: لبنان يودع «الشحرورة» بالرقص والغناء