تنهمك الكثير من الأوساط السياسية والاجتماعية اليمنية في محاولةاستقراء وفهم موقف الخارج من الأطراف السياسية المحلية فياليمن، إذ يلعب الخارج دورا مهما في تعزيز موقف طرف محليدون الآخر، إذ تمثل «العقدة اليزنية» حيزا مهما في المشهد السياسياليمني عبر تاريخ طويل يمتد إلى ما قبل الإسلام. تنسب «العقدة اليزنية» إلى الملك الحميري سيف ابن ذي يزن الذيقرر الاستعانة بالفرس لطرد الأحباش من اليمن، ومن حينها ظلتاستدعاء الخارج ملمحا أساسيا في التاريخ السياسي اليمني حتىاليوم. مؤخرا.. مثّل تغوّل حركة الحوثي وتمدد تنظيم القاعدة مادة دسمةللتدخلات الخارجية والتلويح بالعقوبات على شخصيات سياسيةيمنية، أهمها الرئيس السابق علي عبد الله صالح. يرى الكثيرون أن من الغباء - وربما من الخبث السياسي – أنيوضع صالح والحوثيون في سلة واحدة، بمعنى أن ذلك سيخدمالحوثيين بالنهاية وسيدفع بشريحة واسعة من أنصار صالح نحوالحوثيين بداعي ضمان مصالحهم أو بداعي رفض التدخلاتالخارجية، كون استهداف صالح يتجاوز شخصه إلى شبكة مصالحوعلاقات اجتماعية وسياسية واسعة ومؤثرة. يدرك المتابعون تعقيدات المشهد الاجتماعي والسياسي في اليمن بمايحويه من تناقضات وتحالفات، وتلك التناقضات والتحالفات هي مامكّن الحوثيين من التغول السريع و«المتسرع» في مساحة جغرافيةوسياسية واسعة في اليمن وبصورة يصعب تفسيرها. إن استيعاب الرئيس صالح خارطة التناقضات وتمكّنه من إدارتهامكّناه من الاستمرار في الحكم لمدة ثلاثة وثلاثين عاما في بلد الحكمفيه أشبه ب«الرقص على رؤوس الثعابين»، على حد قول صالحنفسه وقديما قال الشاعر: وأتعس الناس في الدنيا وأنكدهم .. من يركب الليث أو من يحكماليمن في اليمن، تختلط العلاقات الاجتماعية بالسياسية، بحيث إنالتناقضات الاجتماعية في المجتمعات القبلية المحلية تؤثر في الفرزالسياسي والعكس صحيح، وعادة ما يكون تدخّل الأطراف السياسيةفي المركز مرهونا بدعم أطراف تخوض صراعات محلية معمنافسين مدعومين من أطراف سياسية أخرى في المركز. إن انتصار الحوثيين على الإخوان المسلمين وحلفائهم من «آلالأحمر» في عمران لم يكن ليتم لولا دعم قبائل محلية ذاقت منجبروت واستعلاء آل الأحمر ولها صراعات قديمة جديدة معهم،إضافة إلى دعم مراكز نفوذ سياسية وقبلية عانت فجور الإخوانالمسلمين في خصومتهم وإدارتهم الدولة. قبل أيام، كتب الفريق «ضاحي خلفان» تغريدة في «تويتر»، قالفيها: «إن ما تخطط له إيران منذ عشر سنوات ستنهيه السعودية فيعشرة أشهر»، خلفان المقرب من صناعة القرار وصاحب التجربةالأمنية والسياسية يدرك أن المملكة هي صاحبة النفوذ الأهم فيالخارطة الاجتماعية والسياسية في اليمن والأكثر خبرة فيها. إن السعودية بفعل اتصالها الجغرافي والسياسي والأمنيوالاقتصادي والاجتماعي في اليمن تدرك تماما كيف تنهي لعبةالشطرنج بنقلتين أو ثلاث، وتملك الفرصة والإمكانات لذلك، ففيماظن الكثيرون أن السعودية غائبة عن المشهد المصري، أدركوا أنالسياسة السعودية أعمق من أن يدركها البعيدون والبسطاء …