يبدو أنَّ اليمن الذي بدا أنه سيستعيد استقراره العام الماضي مع رحيل صالح، والبدء في تنفيذ المبادرة الخليجية، يدخل مرحلة تجاذبات إقليمية مع إصرار كلٍّ من إيران وتركيا على توسيع نفوذهما في هذا البلد عبر قوى سياسية محلية، فتركيا التي تحاول توسيع نفوذها في مواجهة النفوذ الإيراني – ليس في اليمن فحسب – ألقت بثقلها بشكل لافت في اليمن داعمة الإخوان المسلمين بالسلاح، في بلد لا ينقصه السلاح، ويتداخل فيه القبليُّ بالسياسيِّ والحزبيِّ والدينيِّ والطائفيِّ، في وقت تسعى إيران إلى توسيع نفوذها عبر قوى وشخصيات سياسية جنوبية، بالإضافة لحلفائها «الحوثيين» الذين باتوا أكثر وضوحاً بتمثلهم نظام طهران في كل كبيرة وصغيرة. وعلى الرغم من أن جميع الأطراف السياسية وقَّعت على المبادرة الخليجية التي اعتُبرت أساساً لحل سياسي ضمن انتقالٍ سلميٍّ للسلطة، وأبدت دول عربية وإقليمية مساندة الرئيس «هادي» لفرض سلطة الدولة وتنفيذ المبادرة الخليجية، التي نزعت فتيل الخلافات السياسية، ومهَّدت الطريق أمام السِّلْم الأهلي في بلد يملك الملايين من قطع السلاح الفردية، إلا أن هاتين الدولتين ومَن يمثلهما في اليمن، يسعون لأجل المصالح والنفوذ، ولا يعنيهم السِّلْم الأهلي أو الاستقرار السياسي والاجتماعي، ولا مصير اليمن أو مستقبله. وفي ظل هذه التجاذبات الإقليمية في هذا البلد الفقير الذي يعاني من البطالة والفقر بين شبابه، والذي يفتقر إلى سلطة سياسية قوية وجيش موحَّد، بات اليمن يعيش على صفيح ساخن، وأصبح مهدداً بالحرب الأهلية مع تصاعد أصوات الانفصال في الجنوب، ومع إصرار «الحوثيين» على فرض كيانهم السياسي وأجندتهم على كافة أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة، الذي من الصعب معرفة أهدافه وارتباطاته الدولية والإقليمية، ووسط هذا المشهد في اليمن فإن الغائب الوحيد هو الوطن. انقسم اليمنيون بين مُوَالٍ لطهران وأنقرة، وبين القبلية والعشائرية والحزبية بثوب طائفي وديني.. وغاب الشعور الوطني. وبات يحق للمراقب أن يسأل قادته القَبليين والسياسيين: أليس من انتماء لهذا البلد ذي التاريخ المغرق في القدم؟، أليست المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، قبل تنفيذ أجندات تركيا وإيران ودول أخرى؟