«محمود صباغ».. كاتب ومخرج ومنتج، فاجأ المشاهد السعودي بالمسلسل الدرامي الترفيهي «كاش». وفي خطوة غير تقليدية، فضل ال«يوتيوب»، ولم يذهب بمغامرته إلى أي قناة فضائية، وعبر قناة «محليون»، وضع بصمة التجربة الأولى، ونجح في صناعة ترفيه عفوي دون ابتذال. رصد صباغ خبايا عالم الكرة، بقصص واقعية، وسلط الضوء على عالم السياسة الموازي، ومن رحم الأنثروبولوجيا يراهن على جعل ال«يوتيوب» أسرع بديل للسينما المحلية المستقلة. وسألناه.. * حدثنا عن تجربة «كاش»؟ - «كاش» مشروع درامي بسيط وطموح في آن، مغامرة يحركها الشغف والرغبة في صنع شيء ما. * هل نجح المسلسل؟ - هناك ثلاثة مستويات للحكم؛ فنية وإنتاجية وتسويقية. أما فنيا – فلا أعرف، فالحُكم للنقاد ودارسي السينما. أما في الباقي، فنحن نصيب مرة، ونخطئ مرتين، لكننا نتعلم من أخطائنا – وهذا في حد ذاته نجاح. * ما الرسالة التي تريد إيصالها عبر مسلسل «كاش» والدخول في مجال صناعة الدراما؟ * رسالتي من دخول هذا العالم هي الإسهام في صناعة الترفيه. الشاب، والشابة اللذان يعملان طوال اليوم، ويواجهان ضغوطا اجتماعية وتحديات اقتصادية بحاجة إلى ملاذ آخر اليوم للترفيه عن أنفسهما. نحن نحاول أن نقدم هذا. الترفيه هنا يغدو قيمة بحد ذاته. ثم هناك الرسائل الاجتماعية والفكرية المتفاوتة التي يجري التعبير عنها بأسلوب فني مبتكر وغير مباشر. * لاحظنا غياب الممثلين المعروفين والاستعانة بوجوه شابة، لماذا؟ - لأننا نحاول أن نصنع دراما جديدة، بمقاييس ومعايير جديدة كليا. الإحساس والإيقاع الجديد يستلزم وجوها وكوادر وإمكانات جديدة تستوعب ذلك التحول وتعبر عنه. وأستطيع أن أؤكد لك أن هذه الوجوه الشابة الجديدة على الدراما لم تخيّب الظن. طاقات هائلة لا تزال قيد التشكل – أفضل ما لديها لم يأتِ بعد. * الدخول في تفاصيل الوسط الرياضي، هل هو السير على الطريق السريع للشهرة؟ - إطلاقا لا. نحن نرصد خبايا عالم الكرة المحلي، لكننا لا نبتذلها. عالم الكرة لدينا، لغياب الأطر السياسية، هو المجال الذي تطفو فيه النزعات الاجتماعية والصراعات الطبقية.. كل هذا مع هوامش صحافية وتنظيمية عالية. بهذا المعنى، المسلسل يسلط الضوء على عالم السياسة الموازي. * لكن، هناك جرأة في المعالجة؟ - مادة التأليف تستمد قصصها مما ينشر في الصحافة الرياضية المحلية، وهي قصص واقعية. وسقفنا لا يتعدى الموجود في المسلسلات السعودية القائمة. * البعض رأى أن الكتابة ركيكة؟ إلى ماذا تعزو هذا برأيك؟ - قد يكون ذلك صحيحا، ولكن الأمر – كما أراه – «أن أغلب الانتقادات في هذه الجزئية جاءت من أفراد لم يعتادوا مشاهدة المسلسلات الأمريكية الحديثة». الفورمات اقتبستها من النموذج الأمريكي، لكن في الإيقاع وتكنيك التصوير حاولت قدر الإمكان أن أخرج بمقاربة محلية مبتكرة تمزج بين الأسلوب المصري والمزاج المحلي. الإيقاع هو هوية المخرج، وهو إحدى البصمات التي أردت أن تظهر ابتداء من تجربتي الأولى (مسلسل كاش). * البعض يرى أن هناك استقبالا فاترا للعمل؟ - نحن قصرنا في التسويق والدعاية. لكن الأمر قد يأتي بفوائد أيضا. نحن نبني اسمنا ومصداقيتنا وقاعدتنا الجماهيرية ورواجنا بشكل طبيعي وعفوي وغير مصطنع. وهذا شيء يسرني. أما الساخطون فأتقبلهم، لكن دائما هناك فجوة بين التنظير والإنجاز. هناك مثلا من وجد أن التمثيل ضعيف في جوانب (وهذه مسؤولية المخرج بطبيعة الحال)، وهناك من لديه ملاحظات على الكتابة. كل هذا أقدره، لكني كصانع العمل كان يتعين علي أن أبدأ في لحظة ما – التجهيز والبروفات إلى ما لا نهاية ليست سياسة عملية. العبرة بالإنجاز، والتجربة ستصوب نفسها مع الوقت. الأهم ألا يكون هناك استرخاص أو استهتار فني أو إنتاجي. * لماذا اخترت ال«يوتيوب» لعرض مسلسل «كاش» ولم تذهب إلى القنوات الفضائية؟ - لأننا في قناة «محليون».. نستثمر في الويب. الإنترنت هو المستقبل. ونحن هنا يعود ضميرها للشركاء الثلاثة: أنا مجرد مؤسس شريك مع اثنين أصدقاء آخرين يملكان الرؤية والشغف ذاتيها. * طاقم شاب وغير معروف من الألف إلى الياء في «كاش»، ألا تعتقد أنها مغامرة؟ * مغامرة. لكن، تحسب لنا. نحن تحملنا أخطاء البدايات في سبيل صناعة فريق عمل شاب وجاد ونشيط، ونجحنا إلى حد كبير. * كاتب للنص ومخرج ومنتج.. هل هذا سبب رفضك من قبل القنوات؟ - هناك افتراض خاطئ في السؤال بأن القنوات رفضتنا. نحن لم نعرض عملنا أساسا على القنوات. ثم إن القنوات لم تعد مغرية فنيا أو تسويقيا لأي صانع محتوى، أستثني هنا مجموعة «إم بي سي»، التي لا تزال تحافظ على زخمها كعلامة تجارية رائدة في الإعلام العربي. * في ال«يوتيوب» السعودي، تغيب الدراما الجادة وتحضر الكوميديا، ما السبب؟ - ال«يوتيوب» السعودي لا يزال مجالا ناشئا تماما. في اعتقادي، لا يزال هناك مكان لعشرات، بل مئات الأعمال الفنية؛ كوميدية أو درامية. الجمهور متعطش للجديد والمبتكر، والأعداد في ازدياد، والمُعلِن يقترب شيئا فشيئا من هذا العالم. * أيهما أجدى للمنتج، ال«يوتيوب» أم التلفزيون؟ - المنتج الذي يبحث عن الكسب السريع – حتما التلفزيون. الاستثمار في محتوى يعرض على الإنترنت بحاجة إلى مغامرين ورأسمال جريء ومُخاطِر. * المعلِن السعودي متى يتجه للويب؟ - حينما تؤمن مجالس إدارة الشركات الكبرى بالتحولات السريعة في مجال الإعلام، ومع صعود الإعلام الاجتماعي في مجالي التأثير والتفاعل، فإن سلوكيات المستهلك ستجبره على كل حال. * الدراما السعودية مقيدة بشهر رمضان، متى تكسر هذا القيد؟ - هذا نموذج عربي وضعه واستمر عليه مجموعة من التقليديين الذين أرادوا اختصار العمل في موسم شديد الضيق، لكن يبدو أن هناك شبه اقتناع بضرورة مراجعته أو صنع بدائل له. أما الدراما من نوع (القناة السعودية الأولى)، فالأمر سيان، إذ لن يهتم بها أحد حتى لو عرضت في معالق ذهبية تلقم مباشرة للجمهور. هناك خلل في الرؤية وفي آلية التعميد، في حجم الاعتمادات، وقياس الجودة.. في كل شيء. * ماذا تحتاج صناعة الأفلام في بلادنا؟ - تحتاج أولا أن تستحق وصف «صناعة». نحن لا نزال بلا معاهد أكاديمية وعملية، تخرج الكوادر وتصقل المواهب، بلا صناديق تمويل من الدولة والمؤسسات الأهلية، بلا جمعيات للعاملين في المجال السينمائي، بلا قوانين وتشريعات تحمي وتساعد وتجذب وتوفر على السينمائيين، ناهيك بأننا بلا دور عرض، وهي أساس قيام أي صناعة. * السينما، هل نحن جاهزون؟ - لا. ولن نكون جاهزين ما دمنا نماطل ونؤجل قرار التصريح بعروض السينما. تعالَ نتخيل المشهد بعد التصريح. مجمعات ضخمة في المولات تعرض أفلاما هوليوودية رديئة ومصرية تجارية – تتبع شركات توزيع ستحتكر الذائقة – فيما مجموعة أو مجموعتان ستضطلعان بالإنتاج المحلي؛ إحداهما بدأت فعليا وكان حصيلة إنتاجها ما سُمي فيلم «مناحي». كل هذا مشهد غير مشجع فنيا، بل ومفزع. لكنه على الأقل سينطوي على فرص وظيفية تعمق من صناعة السينما. وشيئا فشيئا.. ستشق الأعمال المستقلة والمميزة طريقها حتى تنافس وتغلب. إذن، علينا البدء فورا. * ولكن، لدينا أفلام وصلت العالمية مثل «وجدة»؟ - فيلم «وجدة» جيد جدا على مستوى الصناعة والإنتاج والإخراج، لكنه يظل تجربة منفردة لمخرجة تملك طموحا شخصيا، ولا يعبر عن حركة تملك مقومات البروز والصلابة والتنوع والقدرة على التنافس والاستمرار.. مقابل ذلك، أعتقد أن مشهد ال«يوتيوب» المحلي ينطوي على ذلك. هناك حركةٌ اليومَ تتنافس وتتعاون ويستعير بعضها من بعض، وتنتج وتجرب وتبتكر وتختبر، وتتعامل بأدوات وقيم صناعة المحتوى الفيلمي؛ استمرارها بالزخم والتصاعد ذاتيهما يمكن أن يترتب عليه صعود جيل يصنع سينما بشخصية محلية مستقلة، وبإنتاج سنوي واعد مستمر غير منقطع. أرى هذا خلال السنوات المقبلة. * هل هناك أسماء بعينها؟ - بكل تأكيد، وهي أسماء بدأت فرض نفسها بأعمال حقيقية باتت تشكل نواة لخريطة فنية محلية: علي الكلثمي، محمد مكي، بدر الحمود، مشعل الجاسر، علي السميّن، علي العطاس. وأسماء أخرى قادمة في 2015. * هل المخرج السعودي محظوظ أم مضطهد؟ - العمل في بيئة غير ناجزة يحمل تحديات وامتيازات، في آن. تحديات أغلبها مرتبط بغياب الصناعة، فالمخرج يكون مطالَبا بأدوار مزدوجة مرهِقة، لكن الأمر أيضا ينطوي على امتيازات؛ منها اتساع المجال لتحقيق نجاح سريع يترتب عليه تمويل أسهل من غيره، ومنها تعلّق الجمهور بالأعمال القليلة المُنتجة، وهذا رصيد معنوي هو الرصيد الحقيقي لأي مبدع. إن الإخراج أساسا مهنة مُضنِية، حتى في الدول التي تملك تقاليد عريقة وقاعدة لصناعة السينما. كان المخرج الصربي أمير كوستاريكا يقول ساخرا: «إن الإخراج هو أبطأ وسيلة للانتحار». المخرج لا يدخل هذا المجال إلا بعد أن يكون استعد نفسيا وذهنيا وماديا للتحديات الفنية واللوجيستية كافة، بل إن تركيبته المزاجية يجب أن تكون أساسا منسجمة مع كل هذا الهول، وإلا فهو في المكان الخطأ، ثم إن العمل الجاد والمستمر لا يتحمل الشكوى. * نعود للكتابة الصحافية التي توقفت عنها، صدامات مع كتّاب ثم غياب.. لماذا غابت مقالاتك؟ - تجربتي في جريدة «الوطن» كانت ثرية، لكنها كانت أيضا مليئة بأوهام النخبة، كنت أكتب بصيغة تقليدية، مدفوعا بأهداف وأمجاد تقليدية. لقد تجاوزت كل هذا الآن. غفر الله لي. * مدونة الصباغ منصة ثرية بواجهة وتنسيق لا يشجعان على القراءة، لماذا؟ - المدونة بدأت – وما زالت – صفحة شخصية وذاتية خالصة، لها طابع محدود وابتدائي وموجز، لكنها أخذت بعدا جماهيريا أكبر من حجمها بسبب الموضوعات التاريخية التي غطتها بالمعلومة والوثيقة والصورة التاريخية النادرة. هناك حاجة لأعمال توثق الذاكرة الجمعية والوطنية، وأخرى ترصد تحولات الوعي والذوق المحلي المعاصر. ولغياب المؤسسات المعنية، لجأت الناس إلى مدونتي وأمثالها من المواقع الشبيهة. ولعل هذه إدانة غير مباشرة للمؤسسات المعنية – إدانة للدارة، للجامعة، للصُحف، للمراكز الثقافية، لجهاز التلفزيون – الخ. * أخرجتَ فيلما وثائقيا عن الشاعر حمزة شحاتة.. كيف تقيّم التجربة، ولِمَ توقفت؟ - أعتز كثيرا بهذا العمل، صنعته بإمكانات بسيطة جدا، وفريق محدود جدا (ثلاثة أشخاص)، وهو عمل أرجو أن يكون فاتحة لأعمال وثائقية أخرى. ما زلت أؤمن بأهمية الفيلم الوثائقي: معرفيا وفنيا وحتى ترفيهيا. سنحاول في قناة «محليّون» أن نكثف من المحتوى الوثائقي. هذه رغبتي الشخصية، حتى لو كانت بلا مردود تجاري. * ما جديدك؟ - الانتهاء من الحلقتين (الرابعة والخامسة) من مسلسل «كاش» لتكونا جاهزتين بعد عيد الأضحى مباشرة. فكل عام والجميع بخير. رابط الخبر بصحيفة الوئام: محمود صباغ : مسلسل «كاش» مغامرة واليوتيوب ينبئ بسينما محلية مستقلة