قبل أيام بلغنا أن زُمرة من الشباب المتطوع قام بانتحال شخصية الهيئة وقاموا بتفعيل عنصر الوصاية على معرض الكتاب بالرياض من مطالبة بسحب الكتاب الفلاني وإخفاء الكتاب العلاني..إلخ، وقد نجم عن ذلك جلبة وضجيج في المعرض بطريقة منفرة تناقلتها وسائل الإعلام. هذا الضجيج سيُفسر من قبل بعض المناوئيين للفكر الإسلامي على طريقة “الصراخ على قدر الألم” وسيفسر من قبل المواليين للفكر الإسلامي على أنه “هبّة ونصرة لأهل الحق”، وفي نظري لن يُساهم هذا الضجيج والفوضى الذي احدثاه أولئك الأخوة في إبعاد عامة الناس عن روايات الجنس والسحر وكتب أبو عبدالرحمن الظاهري وتركي الحمد وغيرهم بل سيزيد من إقبالهم عليها مع بالغ الأسف. وبهذة الطريقة سيأتي يوم نرى فيه هذة الكتب المثيرة للفوضى تُدرّس في المدارس والجامعات ولن يرفع احدٌ عقيرته منددا بها سوى قلة من المتطوعين، لأن غالب الشعب سيصبح من كثرة الهجوم يؤمن بها ويمتهن فكرها. وبقراءة خاطفة في التاريخ نستطيع أن نتنبأ ببعض ملامح ما سيحدث في المستقبل، فمن منطلق أن التاريخ يعيد نفسه ودائرة العالم واحدة والخط الذي امتطاه سابقونا سنمتطيه رغما عنا في عصرنا، سأقول: قبل أن يشدد المشائخ في نقدهم على المعرض فقط لكونه – بزعمهم – مليء بكتب السحر والشعوذة والخمور والسفور والإلحاد والجنس المتشكل في الروايات وغيرها، تشدد المسيحيين ضد ذات الصنف من الكتب والروايات وطالبوا بحظرها وفرض الرقابة عليها في بلاد الحرية، الولاياتالمتحدة، وذلك في وقت سابق قبل وقتنا الحالي، وإليك أمثلة متفرقة على ذلك: - كتاب Little Red Riding Hood تم حظره كليا فقط لأن في نُسخته الأصلية مشهد بسيط يُقدّم فيه “كأس من الخمر” إلى كبيرة في السن، فهبّوا الناس ضد هذا المشهد وطالبوا بمصادرة الكتاب وتم حظره. - في عام 1925، قامت ولاية نورث كارولاينا بحظر الكتب التي تروج لنظرية النشوء والارتقاء للعجوز البيولوجي تشارلز داروين والمُضادة للفكر الديني المسيحي بكافة أطيافه وأشكاله. - في عام 1959، تم حظر كتاب محب الفتاة تشاتيرلي فقط لأنه يحتوي على مشاهد جنسية، تُعتبر في نظر الأمريكي اليوم مشاهد جنسية مُحتشمة ومؤدبة بخلاف ما يُضخ اليوم من صور فاضحة ومبتذلة حد الإسفاف!! - سلسلة روايات هاري بوتر تم شجبها وانتقادها لأنها بزعم البعض تعلم السحر والشعوذة، بل تم تصنيفها من قبل مجلة “الأسرة المسيحية” بالشر المحض. الغريب في الأمر أن ما حدث بعد كل هذة المحاولات الرقابية كان بعكس توقعات الرقابيون، فكل الكتب التي تحدثت عنها أصبحت ذا شهرة واسعة ورواجا عاليا ولولا شهرتها لما سمعنا عنها اليوم بعد تلك السنين الطويلة، بل أنها أصبحت الأولى والأكثر مبيعا في العالم، فمثلا كاتبة سلسلة هاري بوتر البريطانية جي كي رولينج كتبت في نهاية 2005 ستة كتب عن هاري بوتر وبيع منها 300 مليون نسخة، بل في ذات العام، بيع من كتاب “هاري بوتر والأمير الهجين” أكثر من مليونين ونصف نسخة، (طبعا ليس بعد سنة) بل في أول يوم من صدورها في الأسواق وحقق هذا الكتاب في يوم واحد أعظم رقم مبيعات كتاب في التاريخ. الغريب والطريف في الأمر، أنني وجدت أثناء بحثي أن هناك مطالبة بحظر بعض القصص فقط لأنها لا تتناسب مع الأطفال وهذا ما لم أسمعه عن مشائخنا، فمثلا في عام 1983، قام مجموعة من العائلات بمحاكمة مدرسة هوكينز كنتري لأنها فقط تمتلك في مكتبتها حكايا شيطانية ك الخنازير الثلاثة الصغار وحكاية الجولديلاكس التي تتحدث عن ثلاثة من الدببة، وكان امتعاضهم منها فقط لأنها معروضة في المكتبة المدرسية وفي متناول يد الأطفال!!! هذا الحظر والرقابة هو المُطالب به في كل أنحاء العالم بل فيه مراعاة لتشكيلة الطفل وهو ما لا يفعله مشائخنا اليوم مع الأسف، فقد تجد الشيوخ مهتمين بكافة أطياف الكتب الأخرى والمخصصة لجميع شرائح المجتمع، ولا يبدون اهتماما وتنقيبا لكتب الأطفال المسممة لعقولهم، بل لا يتجولون حول حماهما، لأن هدف رقابتهم فيما أعتقد ليس إصلاحي واهتمام برقي المجتمع بقدر ما هو توجيهي وسلطوي واستعراض للقوة والسيادة. وقد نرى في المستقبل كتب تؤلف حول هذة الظاهرة لأنها باتت ظاهرة جديدة لم نكن نعتد عليها في الماضي، وقد تستغل هذة الظاهرة لحصد الأموال الطائلة من ورائها كما فعل مؤلف كتاب فهرنهايت 451 والذي اكتسب شهرة واسعة لشجبه لأمر الرقابة ونقده لتشكيل عقول القراء. هذة الشهرة والنجاح والتقدم التي حققتها الكتب الغربية السابقة بسبب رقابة الكنيسة، سيحققها ذات الصنف من الكتب لدينا بسبب رقابة الشيوخ! والتاريخ سيعيد نفسه. ومن هذا نجد أن فرض الرقابة التي يعانيها جميع أطياف المجتمع السعودي لن تؤدي – في نظري – إلى حجب المجتمع عما يتخوف منه الشيوخ وطلبة العلم، بل إلى عطش ولهث وراء تلك الكُتب المحظورة، ولو كان ذلك سيؤدي إلى نجاح لنجحت فتوى شيخ وعالم معروف قام بمطالبة طلابه بتوزيع فتوى رسمية رجا من خلالها أن تُبيد وتنسف كُتب المفكر المغربي محمد عابد الجابري، فانتهت بإنعكاسه ضده مع الأسف! ونستطيع إجمال هذة الإنعكاسة إلى ناحيتين: الناحية الأولى أنها تعمل عمل التسويق والترويج لهذة الكتب بين العامة ممن لم يسمع بمحمد عابد الجابري وبين الفضوليين المعتطشين لمعرفة أسباب الحظر والمنع، وهو ما لحظناه في السنوات الخمس الدابرة حيث تقاطر أعداد متفاوته من الشباب اليانع حول كُتب محمد عابد الجابري كنقد العقل العربي والخطاب العربي المعاصر وقاموا بتوصيتها لزملائهم وأحبابهم. الناحية الثانية فإنها تجعل العامة والمحايدين على وجه الدقة يميلون تعاطفا مع محمد عابد الجابري أكثر من تعاطفهم مع الشيخ، ودعني أقرب لك هذا المعنى ببساطة، تخيل أنك من محبي كرة القدم ومن مشجعي فريق أ، وحدث أن شاهدت مباراة بين فريق ب وفريق ج، ووجدت أن الجميع يهتفون لفريق ب والذي يُعرف عنه بأنه الأقوى، كمحايد ستشعر بتعاطف مع الفريق الأضعف ج وستبدأ علنا وسرا في مناصرته ضد الأقوى، وهذا ما سيحدث بالتحديد، فكثرة الفتاوى وإحتشاد الناس جميعهم مؤازرة للشيخ ضد المفكر يجعل المحايدين (غير الإسلاميين وغير الليبراليين) أكثر تعاطفا مع المُفكر فقط لأن الناس ضده. التعامل الأسلم مع هكذا أمور يكون بالسكوت والتجاهل! هذا التجاهل كفيل أن يميت كل ما يهاجم ديننا الحنيف وينال من ذائقتنا نحن المسلمين من مشاهد خادشة وصور فضيعة. كوننا نعطي بعض الروايات صبغة جديدة عن طريق تعرضنا لها والتحدث عنها أمام الإعلام، نقوم بالترويج والتسويق لها ببساطة وهذا غاية المخالفين، وطبع العامة السعي لاقتناء كل ما يقع في يديها من كُتب محظورة وذات صدى واسع. والمثال المُستهلك الذي يُستشهد به كثيرا من الناس هو سكوت الصحابة رغم حرصهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن القصيدة التي هجت النبي صلى الله عليه وسلم، فرغم شدة بأسها إلا أن تأمل خاطف لكيفية سكوتهم يجعلنا نتقن كيف أن تلك الوسيلة استطاعت أن تُقفد قصيدة الهاجي الأهمية والتناقل، فهي كهشيم المحتظر ضائعة لم نسمعها من ذلك الحين إلى هذا اليوم. مدونة : متعب القرني