زراعةُ الأملِ بربطِ القولِ بالعملِ..!

الحبر الأصفر
يُعاتبُني خَلقٌ كَثيرٌ، ونَفرٌ كَبيرٌ؛ لأنِّي أتحدَّثُ عَن شَخصِي الكَريمِ؛ وتَجاربِي الخَاصَّةِ في مَقَالاتِي، وهَذَا العِتَابُ لَه قَدرٌ مِن الوَجَاهَةِ، وحيزٌٌ مِن الاحترَامِ، لأنَّه سُؤَالٌ مَشروعٌ، واستفهَامٌ غَيرُ مَمنوعٍ..!
ولَكنْ إذَا كَانَ مِن حقّكم السُّؤالُ، فمِن حَقّي الإجَابَةُ، وهي كالتَّالِي:
إنَّني حَينَ أتحدَّثُ عَن نَفسِي أو عَن أصدقَائِي، والتَّجاربِ المُصاحبةِ لَنَا، فأنَا أُحاولُ أنْ أجعَلَ الخَاصَّ عَامًّا، لأنَّ التَّجَاربَ تَتَكرَّرُ وتُعيدُ نَفسَهَا؛ مَع هَذا الشَّخصِ أو ذَاكَ، لذلكَ كَمَا يَقولُ المُفسِّرونَ: (لَيسَ العِبْرَةُ بسَبَبِ نزولِ الآيةِ، بَلْ العِبْرَةُ بعُمومِ لَفظِهَا)..!
وللتَّدليلِ عَلَى هَذَا النَّهجِ أقولُ -مَثلاً- عِِندَمَا أذهَبُ إلى بريدة لزيّارةِ أُمِّي وأخوَاتِي -حَفظهنَّ المَولَى، وألبسهنَّ لِبَاسَ العَافيةِ والسَّعادةِ- أكتُبُ فِي "تويتر" تَغريدَاتٍ عَن الزِّيَارةِ؛ ومَا يُصاحبُهَا مِن احتفَاءٍ، وحَركاتٍ، وتَواصلٍ، وبرٍّ، مُعتقدًا أنَّ ذَلكَ الإيحَاءَ بالبِرِّ، والتَّحريضَ عَليهِ بالتَّطبيقِ والعَمَلِ يُجدِي ألفَ مَرَّةٍ، أكثرَ مِن مُحاضرةٍ يُلقيهَا هَذَا الوَاعظُ أو ذَاكَ، عن برِّ الوالدَين، وصِلَةِ الأرحَامِ..!
وهَذا المَنهجُ لَمْ أخترعْهُ بنَفسِي، وإنَّمَا هُو مِن صُلبِ الدِّينِ، الذِي وجّهنَا إلَى رَبطِ القَولِ بالفِعلِ، حَيثُ قَالَ تَعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)..!
كَمَا أنَّنَا نَحفظُ قصَّةَ الحَسَنِ والحُسينِ -رَضيَ اللهُ عَنهمَا- (حِينَ مَرَّا برَجُلٍ يَتوضَّأُ ولَكنَّهُ لَمْ يُحسنْ الوضُوءَ، ففكَّرَا في حِيلةٍ لإرشَادِهِ؛ بدونِ أنْ يَحصلَ لَه أدنَى خَجَلٍ في ذَلكَ، فتَقدَّمَ إليهِ أحَدُهمَا وقَالَ لَه: أيُّها الشَّيخُ الكَبيرُ، إنَّ أخِي يَظنُّ أنَّه يُحسنُ الوضُوءَ أكثَرَ منِّي، فنَسألُكَ أنْ تَنظرَ إلَى كُلٍّ مِنَّا وهُو يَتوضَّأُ، ثُمَّ تَشهدُ لمَن يُحسنُ الوضُوءَ مِنَّا. فتَوضَّأَ كُلٌّ مِنهمَا والرَّجُلُ يَنظرُ إليهمَا، فَفَهِمَ أنَّه هُو الذِي لا يُحسنُ الوضُوءَ، ويَقصدَان إرشَادَهُ.. فقَالَ لَهمَا: إنِّي أشكُرُ لَكُمَا حُسنَ إرشَادكمَا وكَمَالَ أَدَبكمَا، وأعتَرفُ بأنِّي أنَا الذِي لا أُحسنُ الوضُوءَ)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَولُ: انظرُوا إلَى أدَبِ الحَسنِ والحُسينِ، حَيثُ لَمْ يَقولَا للشَّيخِ: وضوؤكَ خَطأٌ، أوْ أنتَ لا تَفهمُ، وإنَّمَا تَخاصمَا فَوقَ رَأسهِ ليُعلِّمَاه الوضُوءَ الصَّحيحَ؛ عَن طَريقِ التَّطبيقِ، والإيحَاءِ، والشَّيخُ فَهِمَ ذَلكَ وأكبَرَه فِيهمَا ودَعَا لَهمَا..!
لَيتنَا نَستفيدُ مِن تُرَاثنَا الذِي نُردِّدُه؛ ونَتغنَّى بِهِ لَيلَ نَهار، دونَ تَطبيقِهِ، أوْ الاستفَادةِ مِنهُ..!
أحمد عبد الرحمن العرفج
تويتر: Arfaj1
[email protected]
رابط الخبر بصحيفة الوئام: زراعةُ الأملِ بربطِ القولِ بالعملِ..!