مها العتيبي .. فتاة سعودية أشغلت الرأي العام لثلاثة أيام ، وتحرك لقضيتها أهل الخير داخل البلاد وخارجها ، وتضاربت المعلومات الرسمية والأهلية حول احقيتها للمساعدة ، وبقي التعاطف معها قائماً حتى اللحظة . البداية ..قدمت مها ذات يوم من منزل زوجها في الرياض لزيارة أهلها بالطائف ، واستوقفها مشهد أخوتها الثلاثة العاطلين عن العمل ، وهم يلاحقون أخبار التوظيف من جريدة لأخرى بحثاً عن مخرج من أزمتهم ، وأدارت نظرها إلى والدتهم المريضة ، وهناك رأت جدتها التي أشتدت عليها وطأة الزمن ، وحاولت ” مها ” استشراف مستقبل عائلتها والقيام بدورها تجاههم ، وزاد قلقها ظروف قاسية تحاصر العائلة من كل الجهات : فقررت أن تضحي لأجل انفراج أزمتهم، وهنا كان الخطأ الأول . تتبعت وسائل الإعلام لإيصال رسالتها ، ووقع اختيارها على برنامج إذاعي يتيح للمتصلين الحديث عن قضاياهم بارتياح، واتصلت بالبرنامج ، وزودتهم بما يؤهل قضيتها للنشر ، ووقع الخطأ الثاني هنا ، فقد طُلب منها أن تتحدث وتقوم بتمثيل دور مؤثر ، ولأن الغاية اسمى فقد قررت الاستجابة ، ولأن الشكوى في أعراف القبيلة جريمة ، والاسم يدل على العائلة ، فقد استعارت اسماً غير اسمها الحقيقي ومدينة غير مدينتها ، وهنا كان الخطأ الثالث ، وظهر التسجيل الصوتي الشهير . كان التسجيل الصوتي مؤثراً ، ومستفزاً لكل معاني الإنسانية ، ولأن الأقربون أولى بالمعروف تحرك أبناء القبيلة ، واشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي بالخبر ، وتنادوا للفزعة ، ووقع الاختيار على مشاهير ليكونوا حلقة الوصل مع الحالة ، وأعلن رجال أعمال صادقين عن تكفلهم بمها ومستقبلها ، واستغل الموقف آخرين للتسويق لأنفسهم ، ومؤسساتهم. أتصلت الوئام بمكتب الضمان الاجتماعي في الخرمة ، وتواصل النشطاء مع شبابها المتطوعين حتى غربت شمس الأحد ؛ معلنة أن رحلة البحث لم تصل لمنزل مها ، وخرج مدير ضمان الخرمة عبر الوئام ليقطع الشك باليقين ، وليقول : أن مها ليس بين ظهرانيهم . أحبط الناشطون ، وبدأت الشكوك تدور حول صحة القصة ، ولكن مذيع البرنامج عاد ليؤكد : قصة مها حقيقية ، واستأنف الناشطون يتقدمهم الشعراء والإعلاميون رحلة البحث ، وقبل أن يعلن يوم الأحد المغادرة جاء البشير : تم الوصول إلى مها . الإعلامي فهد الثبيتي ، والشاعر نايف بن عرويل كانا حلقة الوصل مع حالة مها ، وتم تزويدهما بما يثبت ؛ ولكن وزارة الشؤون الاجتماعية المتهم الأكبر في قضايا الفقر والفقراء كانت تراقب الموقف بصمت ، وبعد الإعلان الوصول لمها طلبت إيصالها إليها ، وجاء مندوبون من الضمان بالطائف لمنزل مها ، وهناك انفرجت أسارير وزارة بأكملها ، فقد وجدت مايكفل تفويج الرأي العام مع واد فسيح وبعيد ، وقشة تنقذها من الغرق في بركة ” الاتهام بالقصور ” ؛ فخرج وكيلها للضمان الاجتماعي ليقول بأن مها مستعارة ، ومتزوجة ، ولاتستحق مساعدة الضمان ، وشقيقها مبتعث ! وللوزارة الحق ، فالحالة التي أمامها (حالة الفتاة فقط ) لاتنطبق عليها الشروط التي بموجبها تتم صرف إعانة الضمان ،فهي متزوجة ، ولها عائل ، والرأي العام يتحدث عن فتاة وليس عائلة .. لهذا خرجت الوزارة من امتحان الرأي العام بهدوء . ولكن في الجانب الآخر .. بركان الغضب انفجر ، وتناثرت شظاياه في وجوه الناشطين ، الذين اتهمهم المتابعون باستغلال الموقف للشهرة ، والهياط … تراجع الناشطون للوراء قليلاً ، فقد وقعوا في موقف لايحسدون عليه ، ثمناً لإنسانيتهم ، وسعيهم لفعل الخير ؛ فهم بين حالة يؤمنون بحاجتها للمساعدة ، واندفاع قبلي مجتمعي لايرحم ، ونفي حكومي لصحة الحالة . اتصلت الوئام بمتحدث وزارة الشؤون الاجتماعية خالد الثبيتي للتقصي أكثر وأكثر ، ولكنه أفاد بأن الوزارة قالت مالديها في بيان صحفي ، واتصلنا بالشاعر نايف بن عرويل فقال إن الحالة تستحق المساعدة ، وقررت الوئام أن تحمل كل الأسئلة المفتوحة في هذا المسلسل الدراماتيكي إلى منزل بطل القصة ” مها ” ، وأمامه استوقفنا شقيقها الذي ساهم في الوصول إليها ، وكانت الإجابة على أسئلنا : لماذا كل هذا ؟ ماذا أفعل ، من يساعد أشقائي العاطلين ، ووالدتنا المريضة .. لو لم أرى حاجتهم لما فعلت . ولكن أنتِ أوقدتي فزعة قبيلة في الداخل والخارج فلم الاحتيال ؟ لا احتال ، هاهم ثلاثة عاطلين ، وهاهي عجوز مريضة ، ومنزل مفكك ! . فريق الضمان زاركم ؟ نعم . ولكنه نفى حاجتكم ، وقال إن أفراد من أسرتكم يستفيدون من خدماته ؟ طبيعي أن يحكموا على حالتي لأنهم يريدون الخروج بعذر أمام الرأي العام ، مبلغ الضمان كان ثمانمئة ريال ، ونقص إلى خمسمائة ريال ، ماذا يفعل هذا المبلغ . هم درسوا حالتكم ؟ فريق الضمان اكتفى بسؤالي هاتفياً ، ووعدني بأخذ الوثائق اليوم.. باختصار هم جاءوا لينتزعوا براءتهم فقط . صدقني لا أنام من القلق على مستقبل أسرتي ، عني وشقيقتي أحوالنا مستورة ، ولكن ضحيت لأجلهم ، أعلم بأن رد الوزارة سينسف قضيتنا ، وسيظهرنا بمظهر المحتالين ، ولكن حالة أسرتي مؤلمة . مليونا التبرعات أظن تكفي لسد حاجتكم إذن ؟ لم يصلنا إلا مبلغ مالي بسيط ، وعن طريق الشاعر نايف بن عرويل ، وسمعت مثلك عن التبرعات ولم تصل بعد ، هناك رجل اعمال في مكة طلب أن يأتي أخي لكي يشتري لنا منزلاً . هذا معلن ؟ صدقني غير صحيح ، ونايف أبلغني بأن رجل أعمال آخر لم يتراجع عن تبرعه وسيصلنا . الآن ، أنت في مواجهة مع المجتمع ؟ نعم ، ماقالته وزارة الشؤون الاجتماعية جعلني كذلك ، صدقني لولا الحاجة لم افعل ذلك ، هناك من استغل الموقف من مسؤولين وصحفيين للتهييج ضدنا ، ولكن حاجتنا قائمة ، واعتذر لطريقتي التي دفعتني لها الحاجة ، وبطالة أشقائي ، ومرض والدتهم ، وجدتي ، ولكن من يده بالماء ليس كمن يده بالنار . هل هناك ظروف أسرية غير المعلنة ، ولم تظهر ؟ يا أخي الضمان جاء لتبرير ساحته ، ولم يدرس الحالة كاملة ، لا أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل .. أعلم بأني أحرجت بعض الأقارب ، وبعض الرجال الشرفاء كنايف بن عرويل أمام أهل الخير ، ولكن لم أفعل ذلك إلا للحاجة ، وهم يستطيعون بأنفسهم التأكد . أخوتك قادرين على العمل ، لماذا لم يعملوا ؟ أين العمل ؟ بلامؤهلات لايجدون عملاً .. فلتوظفهم الدولة . .. أغلقت الوئام ملف الأسئلة المحرجة والمؤلمة استجابة لنبرة الحزن والقهر والضعف التي تئن بها مفردات ” مها ” التي تزيد الباحث عن الحقيقة حيرة أكثر وأكثر ، وغادرت منزل ” مها ” ومعها الكثير من الأسئلة التي التي لم تجد لها إجابة لدى مها ، ومن قبلها الضمان الاجتماعي ، وتركت خلفها حالة إنسانية تزداد غموضاً لمن اقترب منها . غادرنا الموقع وتركنا حول حالة ” مها ” أسرار وأسرار وأسرار لم يزاح الستار عنها في قضية بنت القبيلة التي اضطرت لتغيير اسمها ومدينتها خوفاً من ألسنة المجتمع الذي لايرحم ، لتجد نفسها مكذبة من وزارة مسؤولة عن الضمان الاجتماعي ، ومؤلبة للرأي العام في نظر الكثيرين، وسيرتها على ألسن أفراد المجتمع ، وقد أنقلبت هبّة مجتمعها نقمة عليها ، وعلى مشاهير قبيلتها الذين انبروا لمساعدتها ، وبقي أكثر الأسئلة إلحاحاً : ماهي الجهة الرسمية التي بيدها دراسة حالة عائلة مها بشكل موسع ، دون الاتكال إلى معايير الضمان الاجتماعي التي لاتنطبق ؟ وسؤال آخر عن وعود التوظيف التي قطعتها وزاراتنا وشركاتنا ولم تتحقق؟ وأسئلة أخرى : أين دور عمد الأحياء ، وشيوخ القبائل ؟ وهل يحتاج كل مواطن وسيلة إعلام ليشرح معاناته ؟ وماهو تعريف أنظمتنا للحقوق الأساسية للفرد ؟ وهل حاز كل مواطن حقوقه ؟ ولماذا نستهلك “القبيلة” المؤسسة الاجتماعية الوحيدة الصامدة ؟ لم تنته القصة بعد ، فهناك جانب مشرق يستحق أن نقرأه فقد تواصلت اتصالات التفاعل ، وأعلن أهل الخير الصادقين بقاءهم على مواقفهم الأولى ، وتبلغنا بعزم ثلاثة رجال أعمال اتمام نيتهم بالتبرع ومساعدة الأسرة ، وعدم الالتفات إلى نتائج دراسة الحالة التي قام بها الضمان الاجتماعي ( سننشر أسماءهم فور وصول اثبات الاستلام ) ، ورسائل شكر ننقلها لجميع من سعى لفعل الخير داخل البلاد ، وخارجها ، ورسالة شكر لمن ساهم في الوصول للحالة ، ولو وجد موقفه ضعيفاً بعد النفي الحكومي المتعجل . رابط الخبر بصحيفة الوئام: مها العتيبي .. بنت القبيلة التي قررت أن تضحي لأجل حاجة عائلتها