الحمد لله الذي أنزل على عبد الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وجعل لنا القرآن نبراسا ومنهجا .الحمد لله منشورًا بشائرُهُ مباركًا أولاً ودائمًا أُخَرَا ثم الصلاةُ على المختارِ قدوتنا محمدٍ علمِ الهادينَ والسُّفَرا أيَّده ربه بكتابه المبين الذي ظهرت مُعْجزاتُه، وبهرت الخلقَ آياتُه، وقهرت ذوي العناد بَيِّناتُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نُصِرت بهم ألوية الحق وراياتُه، صلاةً تَنْدَى عبيرا ومسكًا سُحْبُها دِيَمًا تُمْنَى بها لِلْمُنَى غَاياتُها شُكُرَا تُضَاحِك الزَّهْر مَسْرورًا أسِرَّتُهَا مُعَرَّفا عَرْفُها الآصالَ والبُكْرَا أما بعد. فالمستقرئ لتأريخ الأمجاد والحضارات والمتأمل في سير الأمم والمجتمعات يجد أنها تنطلق من مبادئها وثوابتها ونحن خير أمة أخرجت للناس نحن أمة القرآن ، قد منَّ الله علينا بإنزال القرآن الكريم أساس كل مبدأ قويم وثابت سليم، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾. يا حامل القرآن اقرأ وارتقي ورتل فأنت المؤمن الرباني واستغن بالقرآن عن دنيا الهوى ثم استعن بالخالق الرحْمنِ ولاشك أن القرآن تاج فوق الرؤوس، ونور يضيء ظلمات القلوب والنفوس، كلماته مُحملة بسحائب الحياة، فياضة بأنداء الجلال والجمال، لأنه كُلٌ لا يختلف أجزاؤه، ولا يزيغ نظمه، لا تتعاند حُجَجه، ولا تتناقض بيناته؛ فهو المَعِين العذب الذي لاينضب أبدًا، والكَنْز الوافر الذي لا يزيده الإنفاق إلا جِدَّة وكثرة، ولا تكرار التلاوة إلا حلاوة وطلاوة، بيد أنه لا تُمْنح كنوزه إلا لمن أقبل عليه بقلبه، وألقى إليه سمعه وهو شهيد. قَدْ نِلْتَ يا حامل القرآن منزلة تبقى على الدهر للأسلاف تذكارا قد خَصَّك الله بالخيرات والمِنَن إِذْ كنت ممن لحفظ الآي مختارا قال الإمام الشاطبي ~:”والقرآن الكريم هو كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، فمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها لزمه ضرورة أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله قعيده وجليسه، على مر الأيام والليالي نظرًا وعملا”. الله أكبر إنّ دين محمدٍ وكتابه أقوى وأقوم قيلا طلعت به شمس الهداية للورى وأَبَى لها وصف الكمال أُفُولا لا تذكروا الكُتُب السوالف عنده طلع الصباح فأطْفِئوا القنديلا وإن من فضل الله تعالى على بلادنا -بلاد الحرمين الشريفين- أن مَنَّ على ولاة الأمر فيها بالاهتمام بكتابه الكريم ورعاية حَفَظَتِهِ قولاً وعملاً منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله وطيب ثراه. وإن من المناسبات الإيمانية الغراء، والأيام القرآنية البلجاء، ما نستشرف مُحَيَّاها في رحاب المسجد الحرام: مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره في دورتها الرابعة والثلاثين. والتي تنظمها مشكورة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. ولقد حازت هذه المسابقة قصب السبق حيث جمعت محاور شرف قَلَّما تجتمع لمثيلاتها، فجمعت إلى شرف المناسبة شرف الزمان وَتوَّجَهما شرف المكان حيث يجتمع المتسابقون في رحاب البيت الحرام وفي شهر الله الحرام على شرف لا يدانيه شرف وهو شرف حفظ كتاب الله تعالى والتنافس فيه وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. أَكْرِم بقوم أكرموا القرآنا وهبُوا له الأرواحَ والأبدانا قومٌ قد اختار الإلهُ قلوبَهُم لِتَصِيرَ من غَرْسِ الهُدَى بستانا زُرِعَتْ حروف النور بين شِفَاهِهِم فَتَضَوَّعت مِسْكاً يفيض بيانا لقد أضحت هذه المسابقة رمزا للعناية بكتاب الله ومعلما ومعلما من معالم رعايته ومشعلا وضاء للاهتمام بحملته وحققت قفزة نوعية ونقلة حضارية وأنموذجًا مشرقا يحتذى به بين المسابقات القرآنية العالمية ومرجعا يستنار به ويستفاد منه في مجاله ، ولقد عايشت هذه المسابقة منذ سني نشأتها الأولى وهاهي البوم وقد مر عليها عشرات السنين وهي تزداد تلألؤًا وتتألق وضاءة وتتميز كما وكيفا فبوركت جهود العاملين وسددت خطى المهتمين والمعنيين. وإن من المبشرات بالخير في زماننا تلك العناية الفائقة بالقرآن الكريم وتكريم أهله والاحتفاء بحُفَّاظه، وهاهي المملكة السعيدة، وتحت قيادة حكيمة رشيدة تستضيف أكثر من ستين ومائة متسابق ينتمون لأكثر من سبعين دولة في عُرْس قرآني، وفي مهبط الوحي الرباني، وتقود قاطرة العالم الإسلامي في ربط الأمة بالقرآن الكريم مصدر تشريعها وعزها، وأساس فخرها ومجدها، من خلال إذكاء روح المنافسة الشريفة في هذه البقعة الطاهرة المنيفة، شعارها قول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ [الإسراء:9]. وإن كتاب الله أوثق شافع وأغنى غناء واهبا متفضلا وخير جليس لا يمل حديثه وترداده يزداد فيه تجملا جزى الله بالخيرات عنا أئمة لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا وإنه ليسرني باسم الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أن أشكر للقائمين على هذه المسابقة الفريدة وأثمن جهودهم في خدمة القرآن وأهله والتشجيع على التنافس فيه، وأرحب بهم في رحاب المسجد الحرام وأشكرهم على إتاحتهم الفرصة للرئاسة للتعاون معهم في هذا المجال الشريف مؤكدا للجميع أن الرئاسة ترحب بكل تعاون وتواصل في خدمة كتاب الله وتشجيع حفظته انطلاقا من رسالتها السامية وأهدافها النبيلة في الاضطلاع بشؤون الحرمين الشريفين أسأل المولى في عليائه أن يوفق ولاة أمرنا لما فيه الخير والصلاح وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله ورعاه- خير الجزاء كِفَاءَ ما قدم للإسلام والمسلمين وعنايته بكتاب الله الكريم ورعايته لحفظته، والشكر موصول لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد معالي الدكتور صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله- على اهتمامه ورعايته هذه المسابقة الغراء. وجزى الله القائمين عليها خير الجزاء ووفق الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته ، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ألبسنا به الحلل، وأسكنا به الظلل وزدنا به من النعم وادفع عنا به النقم، إنك جواد كريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي