الرياض – الوئام – خالد المرشود: جدد الدكتور سلمان بن فهد العودة الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، تأكيده على أن دور اللجنة المشرفة على مسلسل “الفاروق عمر” هو مراجعة النص التاريخي؛ ولا علاقة لهم بما وراء ذلك مما يتعلق بالإفتاء حول جواز ظهور الصحابة أو الخلفاء الراشدين في الأعمال في الأعمال الفنية من عدمه، مشيراً إلى أن هذه القضية وقع فيها خلاف كبير بين الفقهاء قبل ذلك. وأوضح العودة خلال حلقة أمس من برنامج “ميلاد” والتي جاءت بعنوان “دراما” أنّ هناك مجامع فقهية منعت تجسيد الصحابة واعتبرته مدخلا للعدوان على شخصياتهم أو الإساءة إليها، إلا أن هناك علماء آخرون وفقهاء ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي رجعوا عن فتاواهم بالمنع، لما رأوه من مخاطر محتملة حول تشويه شخصيات الصحابة ومن بينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من خلال أعمال فنية مضادة تسيء إليه وتصوره بشكل لا ينطبق مع النص التاريخي طبقا لمعتقدات خاطئة عنه، خاصة أن هناك العديد من الكتب الطائفية المشحونة بشتم عمر – رضي الله عنه- ، لافتا إلى أنه “لو تحول مثل ذلك الهراء والفجور إلى عمل فني وشاهده الملايين من غير المسلمين ومن المسلمين البسطاء سينتج عنه مشكلة كبيرة جداً، ولذلك رأى من أيّد الفكرة أن هناك ضرورة معينة بالسبق لتقديم صورة إيجابية ونموذجية، خاصة وأن الأبواب الآن ليست مفتوحة فقط وإنما الأسوار نفسها مهدومة. وأشار د. العودة إلى أن تقديم عمل فني دون أن تظهر فيه الشخصيات سيكون عملاً هزيلاً ولا يوصل الرسالة، مع العلم أن اللجنة أو المجموعة المكلفة بمراجعة النص ليست لجنة إفتاء ولا علاقة لها بهذا الجانب، وإنما مهمتها الأساسية مراقبة النص التاريخي ، لخطورة تزويره أو الاعتماد على روايات ضعيفة أو مقولات غير صحيحة. واعتبر أن العالم العربي يعيش تحولات كبرى وبالتالي فإن هناك فرصة لإيجاد تغيرات نحو نماذج وأعمال هادفة وواقعية ليس بالضرورة أن تكون وعظاً مباشراً ولكن أن تحمل محتوى ورسالة إيجابية، خاصة مع صعود الإسلاميين إلى الحكم ومساهمتهم في إيصال رسائل هادفة ومنضبطة من خلال الأعمال الفنية الهادفة. ورأى د. العودة أنه لا يلزم أن يكون العالم أو الفقيه أو المجلس أو المجمع مسئولاً عن مثل هذه الأعمال أو يعطي بصمة تأييد لها، لأن الفتوى مثلاً في مثل هذه الأشياء ربما تضيق أو تتحمل مسئوليات لا تريد أن تتحملها والحياة أوسع من عقلي المحدود الذي قد لا يمكنه الإحاطة بمثل هذه الأشياء، المهم أن تكون أعمالاً قيمية، ويتحمل الناس مسئوليتها، وهنا ينبغي أن تكون الرقابة ليست فقط لشخص أو للأزهر أو المفتي وإنما للمواطن وللمجتمع بحيث يرفض هوبنفسه الأعمال الغير هادفة. وحول قضية التمثيل في حد ذاتها والقول بتحريمها باعتبارها كذبا رأى د. العودة أن ” التمثيل لا يدخل في باب الكذب لأنه ليس خبراً، لأنه يحكي لك صورة معينة أنت تعرف أنه لا يخبر بها، والسيرة النبوية حافلة بمثل هذه الصور. وأشار في الوقت ذاته إلى أن الخلاف موجود، وينبغي أن نحترمه لا أن نحول القضية من أن تكون خلافاً فقهياً إلى نوع من الجزمية والقطعية بها، خاصة وأن البعض قد يرون أن هذا العمل فيه خير وإصلاح ومنافسة للشر وكما يقول عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه: “يجدّ للناس من الأقضية بقدر ما يجدّ لهم من الفجور”، وأبو سعيد بن لب قال أيضاً: “يجدّ من التحفيزات أو التنشيطات بقدر ما يجد لهم من الفتور”. وقال: “هناك نوع من تغيرات الظروف قد تجعلنا في حال الاضطرار نقوم بأعمال ربما في حال الاختيار لم يكن الناس يميلون إليها في ظروف معينة، خاصة وأنه أصبح هناك منافسة وميدان صارخ، وإذا لم تقم أنت بهذا العمل قام غيرك، مشيرا إلى أنه في المقابل لا يجب لوم المخالف أو اتهامه بضيق الأفق أو ما أشبه ذلك، هو له اجتهاده وراعى جانب التقوى، ولديه في ذلك ما يحتج به. ولفت إلى أن هناك صراعا إعلاميا حتى مع الكيان الصهيوني وفي الغرب؛ معنيٌّ بتشويه صورة العربي أو المسلم ونشر كثير من المفاهيم المنحرفة والعادات التي يراها الناس بشكل مستديم وتنطبع عليهم بقوة، خاصة ما يتعلق بأفلام الأطفال وتأثيرها الضخم عليهم، وبالتالي فليس من الرشد أن نترك مئات القنوات المتخصصة تضخ في عقول وسلوك وعادات أبنائنا وبناتنا من المعاني المرذولة بينما نحن نكتفي بالتفرج أو بالنهي عن مشاهدتها الذي ر ربما يجعلهم يزيدون ولا ينقصون. وفيما يتعلق بتصوير مشاهد الجنة والنار رأى د. العودة أن هذه قضايا غيبية وأنا أتحفظ على هذا الأمر؛ لأن الله تعالى حدثنا عن هذا بما تسعه عقولنا وتعرفه لغتنا وأفهامنا، لكن كما يقول ابن عباس -رضي الله عنه- إنه ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء، ولذلك الجنة فيها (مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) حتى الخيال لا يمكن أن يدركه، مشيرا إلى أن الغموض في مثل هذه الأشياء يزرع في الإنسان الخوف والرجاء أكثر من المشاهد التي يراها. وأضاف “أرى أن القضايا الغيبية والأخروية البحتة مثل قضايا الجنة والنار ليست مما يصلح أن تمثَّل وتحول إلى واقع مادي يراه الناس”. وأوضح د. العودة أن الدراما أصبحت مؤثرة جدا في المجتمعات بحيث أصبحت جزءاً من حياة الناس اليومية، وربما ما يقضون أمامها أكثر مما يقضونه في حلقات الدراسة أو الفصول الدراسية أو مما يقضونه فيما بينهم، مشيرا إلى أن خطورة الدراما أنها أصبحت عابرة للقارات بحيث أنها كسرت الكثير من الحواجز بين الشعوب، وبالتالي أصبحت سوقا عالمية ليس للاستهلاك فحسب، وإنما للأفكار والعادات والتأثر والتأثير المتبادل. ولفت إلى أنّ الدراما أصبحت إحدى وسائل التغيير الكبيرة الآن، باعتبار أن المشاهد لها يصبح وكأنه جزء من المشهد، نتيجة اجتماع الصوت والصورة أمامه، إضافة إلى العاطفة.، مشيرا إلى أن هذه الأعمال الدرامية في الغالب ليست فقط أعمالاً فنية أو أدبية كما يتوقع البعض، وإنما وراءها عمق وغوص في كثير من العادات الاجتماعية. كما لفت فضيلته، إلى أن الأعمال الفنية غالبا ما تنتمي إلى الرواية التي هي في الأصل تصوير كامل لواقع المجتمع حتى لمشاعر الناس وأحاسيسهم؛ ولذلك فهي ليست مجرد تمثيل كما يتصور البعض، وإنما هي نقل لصورة واقع المجتمعات، حتى أن الغرب الآن عندهم ما يسمى بتلفزيون الواقع الذي ينقل حياة الناس على مدى أربع وعشرين ساعة ، دون أي تدخل منه. وأوضح أن التاريخ الإسلامي ضخم وهائل وعظيم جداً، و مليء بالشخصيات والرموز والعلماء والقادة والخلفاء بل والشخصيات التي ربما يعبر عنها -أحياناً- بأنها شخصيات “شعبية” كما في مصر – مثلاً- مثل الظاهر بيبرس – و أبو زيد والتغريبة الهلالية أو غيرها، فالمقصود أن هناك مناطق كثيرة جداً في التاريخ يمكن تصويرها ويمكن حكايتها. وردا على سؤال حول رأيه في مسلسل “الجماعة” قال الشيخ العودة: “أرسل لي أحد الأشخاص نسخة من السيناريو طالبا رأيي فيه، وطلبت الحلقات الثلاثين فوجدت أن هذا المسلسل فعلاً يحاول أن يتحدث عن الشيخ حسن البنا حديثاً معيناً فيه نوع من الإشارة إلى قدر من التطرف أو التشدد، وبالمقابل وجدت أنه حينما يتحدث عن الأجهزة الأمنية والتحفظ على أشخاص هنا يصبح فيه دعاية مجانية لرجال الأمن الذين يتميزون بالحلم ويتميزون بالصبر وطول النفس وشيء غريب”. وأضاف أن “الردود المكتوبة والنقد هو جزء من العمل نفسه، وما من عمل من هذه الأعمال الفنية إلا ويوجد له نقد حول الاتفاق أوالاختلاف معه، وأعتقد أن هذا حق مشروع، وأيضاً هو يساهم في نشر الوعي وإيجاد الحصانة عند الناس تجاه مثل هذه الأعمال”. وحول خطورة ترويج الأعمال الدرامية لمصطلحات معينة داخل الشعوب،رأى الشيخ سلمان أن الكثير من الأعمال الدرامية الأمريكية على وجه الخصوص في فترة من الفترات قامت بترويج مصطلح “الإرهاب”، بحيث أصبح مقروناً بمصطلح الإسلام وخلقت ما يسمى بال”إسلام فوبيا”، “الخوف من الإسلام”، وتم توظيفها بشكل سلبي بحيث أصبحت صورة المسلم في الأفلام الهوليودية أو غيرها “دموية”، أو “إرهابية”، القتّال المعطش العنيف العصبي العنصري الذي يكره الإنسانية، المنافق الذي له أكثر من وجه، بمعنى أنه عني بتشويه الصورة الإسلامية والصورة العربية أيضاً بشكل كبير خلال تلك المرحلة، مشيراً إلى أن “الدراما كثيراً ما تعدل أو تشحن بعض المصطلحات بمفاهيم غريبة وتروجها، وأيضاً الدراما كثيراً ما تؤثر في المفاهيم الموجودة عند الناس بمعنى أنها تنشر عند الناس مفاهيم معينة وهم لا يشعرون”. وأوضح الشيخ العودة، أن انتشار مثل هذه الأعمال أصبح متاحا ومؤثر بشكل واسع “فاليوم تجد الملايين يتابعون -مثلاً- الدراما التركية، الدراما الكورية، الروسية، الإيرانية، الأوربية، الأمريكية.. بل هناك الكثير من القنوات المتخصصة والمتنافسة في عرض المزيد والمزيد من هذه الأفلام المدبلجة، وهناك المواقع الإلكترونية التي يتعاطى فيها الشباب والبنات بشكل مذهل جداً ، مشيرا إلى أن هناك حركة غير عادية في نشر مثل هذه الأشياء وتنشيطها وبالتالي زرع مفاهيم غريبة ولكن من خلال هذا الأعمال”. واعتبر أن”عالمنا الخليجي على وجه الخصوص هو ميدان استهلاكي لمثل هذه الأعمال وربما لا أبالغ إذا قلت أن أكثر الشعوب مشاهدة ومتابعة للدراما بأنواعها وبلغاتها المختلفة هي هذه المنطقة بالذات، ي حين أن الأعمال التي تمثل هذه الشعوب أو تكون أقرب إلى قيمها وإلى أخلاقياتها غائبة إلى حد كبير”. وقال : “إن كثيرا من الأعمال الدرمية المختلفة أصبحت وسيلة إعلامية لنشر ثقافة البلدان حتى السياسية، بمعنى أنّ كثيراً من الأعمال ربما يكون المقصود منها الترويج السياسي والإقناع بموقف معين، أو حتى تصور معاناة إنسانية”. وأشار إلى أنه على الرغم من معاناة أطفال المسلمين في فلسطين وغيرها إلا أنه يتم تصويرها من قبل أطراف ربما ليست عربية ولا إسلامية”، مشيرا أيضا إلى أن هناك عملا دراميا عن “صيد السلامون” في اليمن يشاهد بشكل كبير جداً، ويحاول أن يصور أن اليمن ليست فقط كما يتصور الناس أنه بلد العنف وبلد القتل والسلاح والإرهاب أو تنظيم القاعدة، وإنما يتحدث عن الجوانب الأخرى الإيجابية والجوانب الإنسانية والحياتية الطبيعية، لأن الناس بحاجة إلى الصورة المعتدلة وليس النظر إلى الصورة من زاوية واحدة. يشار إلى أن برنامج “ميلاد” للشيخ العودة سيعرض في ثلاثين حلقة طيلة شهر رمضان المبارك عبر شاشات ثماني قنوات عربية هي: “روتانا خليجية وروتانا مصرية والرسالة في الرابعة عصرا ، ثم قناة دليل في الخامسة والنصف عصرا، وعلى قناة فور شباب وقناة ليبيا الوطنية في الخامسة إلا ربع عصرا، وعلى وقناة تلفزيون قطر في الرابعة فجرا “. ويقوم بتقديم الحلقات الكاتب والإعلامي الكويتي علي السند يناقش فيها الشيخ مختلف القضايا .