تعد لائحة تنظيم الإعلام الإلكتروني التي أقرها وزير الإعلام السعودي مؤخرا أول ميثاق شرف مهني إجرائي أخلاقي للصحافة الإلكترونية العربية بمختلف فروعها . وجاءت اللائحة في الوقت المناسب وبعد زمن ليس بقصير طالب فيه ملاك وأصحاب الصحف الإلكترونية والمواقع الإعلامية الخاصة المنتشرة عبر الأنترنت بسرعة وضع سياج وإطار تشريعي قانوني لإعلام جديد فرض نفسه على ساحة الفضاء الإلكتروني بقوة ، وباتت ملامحه تنطق بواقع يتطلع إلى بيئة أخرى مختلفة ، تمكنه من الانطلاق بحرية دون خوف أو إرتعاش أو تثاؤب وقلق. وحسنا فعلت المملكة بهذه اللائحة العشرينية (20 مادة ) التي تتناول كافة معطيات النشر الإلكتروني بما فيه المنتديات والمدونات والمواقع الشخصية والأخرى التى تبث ملفات مسموعة ومرئية عبر الشبكة العنكبوتية العالمية ،وقد يضر محتوى بعضها عن غير عمد أو قصد بمصالح البلاد. ونظرة سريعة على موادها نتوقف قليلا عند أبرزها ( المادة الثالثة عشر ) المتعلقة بعدم خضوع المحتوى الإلكتروني للرقابة الحكومية دون إخلال بالمسئولية الاجتماعية ، فتلك إشارة واضحة بمرحلة أخرى جديدة مميزة ولافتة يتعهد فيها النظام بحماية الرأى الآخر طالما انه لا يضر بمصالح وقيم المجتمع ومكتسباته. ولكنها في الوقت نفسه حملت القائمين على هذا النوع من الإعلام الوليد مسئولية إجتماعية خطيرة تتطلب منهم مزيد من اليقظة والحذر . وحددت اللائحة كافة أوجه وأشكال الإعلام الإلكتروني في مواد وبنود جامعة شاملة لا تترك الباب واسعا للإجتهادات والممارسات الخاطئة. ولم تغفل التطور الكبير الذي طرأ على المواقع العنكبوتية الاخبارية في المملكة وخارجها ( نصا وصوتا وصورة )، بل وصلت إلى أبسط المواقع والصفحات الشخصية وغرف الدردشة والحوار ؛ بهدف تنظيم هذا الميدان ولملمة شتاته وحماية المتعاطين معه من مخاطر الإندفاع الطائش والكلمة غير المسئولة. كما حددت اللائحة الجزاءات والعقوبات وسبل تنفيذها ، وبينت حقوق وواجبات العاملين في فضاء الإعلام الإلكتروني ، وكذلك طرق وأساليب الشكوى وتحريك الدعوى. وجعلت اللائحة وزارة الإعلام هي الجهة الوحيده المنوط بها محاسبة المسئولين عن الإعلام الإلكتروني ومعاقبتهم قانونا. ولضمان جودة المدخلات ومن ثم المخرجات وضعت اللائحة معايير وضوابط صارمة وملزمة قبل الإنطلاق أهمها الحصول على ترخيص مسبق وذلك بهدف القضاء على العشوائية التي بات يعاني منها الإعلام الإلكتروني مؤخرا . كما اشترطت ان يكون العامل في هذا الحقل مؤهلا للإلتحاق به، ويحمل على الأقل (ثانوية عامة ) ،وإن كنا نرى قصورا في هذا الشرط إلا انه قد يمنح فئة كبيرة من الشباب فرصة العمل والتعبير عن رأيهم بحرية (وهو على ما يبدو هدفا أساسيا من الأهداف غير المعلنة للائحة) . وكم كنا نتمنى أن يقتصر الترخيص على من يحمل مؤهلا عاليا بعد الثانوية أو ما يعادلها لضمان الإنتقاء والتعاطي الجاد مع مكتسبات مرحلة ما بعد اللائحة. وإذا كانت اللائحة شددت على دعم الإعلام الإلكتروني ومساعدة العاملين به إلا أنها لم تخصص وعاء أو إطارا ينتمي إليه رجال المهنة ، فهى لم تحدد هويتهم (صحفيون ،أم فنيون ) وإلى أى رابطة أو هيئة أو جمعية ينتمون ؟ وهل ستحدد لهم وظائف في وزارة العمل على غرار زملائهم في الصحف الورقية؟ وهل يمكن لهم إنشاء إتحاد نوعى يجمعهم ويربطهم ويرعى حقوقهم ويكون وسيطا بينهم وبين الأجهزة المعنية حكومية كانت أو خاصة ذات صفة إعتبارية؟ ويخشى القائمون على أمور الصحف الإلكترونية ونحن منهم أن تتحول اللائحة التنظيمية لدى بعض ضعاف النفوس وغير المتفهمين لروح نصوص المواد إلى ما يشبه سوط التهديد والوعيد بالغلق او الحرمان من البث والظهور على الشبكة العنكبوتية ، وهو ما نحذر منه الآن قبل أن يتمزق ثوب المارد السعودي إربا وتصبح السلطة الخامسة في خبر كان فهد بن سعود الحارثي [email protected]