هناك بعض الغموض الذي يسيطر على الموقف الروسي تجاه ملف إيران النووي: فهي من جهة حليفة قوية لإيران وترتبط معها بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية، وتوفر لها غطاء سياسيا مناسبا يضمن عدم قيام المجتمع الدولي بعمل ضد إيران من خلال مجلس الأمن الدولي. ومن ناحية ثانية، روسيا عضو في مجموعة (5+1) التي تضم الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا، والتي يفترض أنها تقف مع الغرب مقابل الجانب الإيراني لمطالبة طهران بوقف التخصيب وضمان عدم حصولها على أسلحة نووية. ويؤكِّد تقرير كتبه الزميل الزائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، نيكولاي كوزهانوف، ونشره المعهد في أبريل الحالي، أن موقف روسيا بشأن البرنامج النووي الإيراني أكثر تأثراً بحالة العلاقات الأميركية الروسية من تأثره بتهديد حظر الانتشار الفعلي الذي تُشكله جهود طهران. ويضيف التقرير أنه في محادثات 14 أبريل الحالي في إسطنبول، أظهرت روسيا مُجدداً أنها تستطيع أن تصبح لاعباً جماعياً. لكن الجانب التعاوني لموسكو مع الأعضاء الآخرين في مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا لا ينبع من رغبة خالصة لتسوية القضية النووية الإيرانية وإنما من محاولة لكسب النفوذ في العلاقات مع واشنطن. وتنظر موسكو إلى المسألة النووية على أنها تندرج ضمن العلاقات الأميركية الإيرانية وليس العلاقات الإيرانية الروسية. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، لعبت روسيا بورقة إيران من أجل كسب النفوذ في تعاملاتها مع واشنطن. وقواعد هذه اللعبة بسيطة. فموسكو ستكون أكثر مرونة واستعدادا لمناقشة المشكلة الإيرانية إذا أظهرت السُلطات الأميركية منهجاً بناءً لحل المسائل التي تُثير غضب الروس. وبمعنى آخر فإن الحوار الذي يعتبره الروس بنّاءً بشأن المسائل التالية (وغيرها) سوف يزيد من احتمالية الحد من المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في التفكير الروسي ويدفع موسكو إلى مراجعة وجهات نظرها بشأن إيران: • نظام الدفاع الأميركي المضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية. • وجود قوى ثالثة في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. • الحد من تقدم حلف شمال الأطلسي (الناتو) باتجاه الشرق. • إنشاء خطوط أنابيب النفط والغاز يُنظر إليه على أنه يهدد المصالح الاقتصادية للنخبة الروسية. وبالنظر إلى هذه الخلفية، يُرجَّح أنه ليس من باب المصادفة أن يشترك نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريباكوف في كل من عملية صنع القرارات بشأن المسألة النووية الإيرانية وفي المحادثات الروسية بشأن نظام الدفاع الأميركي المضاد للصواريخ في شرق أوروبا. هل يُشكل البرنامج النووي الإيراني تهديداً؟ من وجهة نظر الروس، فإن البرنامج النووي الإيراني في حد ذاته لا يُمثل تهديداً خطيراً. لكن امتلاك نظام "إسلامي متطرف" لأسلحة الدمار النووي الشامل هو أمر غير مقبول بالنسبة لموسكو. ولم تُخف السلطات الروسية مطلقاً وجهة نظرها بأن النظام الإسلامي المُسلَّح نووياً على الجانب الجنوبي لروسيا قد يكون أقل تعاوناً بكثير في آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين وقد يُقوِّض من نفوذ موسكو في مناطق الاتحاد السوفيتي السابقة هذه. وعلاوة على ذلك، فإن إيران المسلحة نووياً قد تزعزع الوضع في الشرق الأوسط. وتوضِّح تلك المخاوف السبب في أنه بعد أن تم الكشف عن البرنامج الإيراني السري في عام 2002 راجعت موسكو على الفور مبادئ محددة تُشكل الأساس لتعاونها مع الجمهورية الإسلامية. وبحلول عام 2005، كانت قد وقَّعت عدداً من الاتفاقيات مع طهران تضمن عودة الوقود النووي المُستخدم من محطة الطاقة في بوشهر إلى روسيا، مع الحد بشكل عام من التعاون مع إيران. وأخيراً، رفضت روسيا جميع محاولات طهران الرامية إلى الحصول على تراخيص لإنتاج الأسلحة الروسية في إيران. إن الحكومة الروسية وخبراءها ليسوا متأكدين مما إذا كانت السلطات في طهران قد قررت صنع سلاح نووي أم لا، لكنهم على يقين من أن الإيرانيين - على المدى المتوسط على الأقل - لن يتمكنوا من صُنع ذلك السلاح، حتى لو أرادوا ذلك. ما التالي؟ في جميع الاحتمالات، سوف تتقرر مدى فعالية الموقف الروسي في بغداد من واقع الأحداث في أوروبا وليس في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا أشار ريباكوف في 17 أبريل الحالي إلى الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي بأن موسكو تشعر بقلق بالغ لعدم الاقتراب من تسوية مسألة النظام المضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية. ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك التلميحات مجرَّد رسائل تذكير بسيطة أو مؤشراً على فقدان الصبر، وما إذا كان ذلك سيؤثر على الموقف الروسي بشأن إيران أم لا. ومع ذلك، هناك احتمالات جيِّدة بأن تثق موسكو في الوعود التي قطعها الرئيس الأميركي باراك أوباما في سول بأنه سيكون أكثر مرونة بشأن نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي عقب الانتخابات الرئاسية. وفي هذه الحالة، لن تلعب روسيا دور المُفسد في بغداد. ورغم ذلك، سوف تقوم موسكو بكل تأكيد بإدخال تصحيحات على سياستها عقب يناير 2013 إذا ظلت المسألة بدون تسوية.