بعد إخفاق محاولات الدول الست الكبرى في حل المشكلة النووية الإيرانية، نددت وكالة الطاقة الدولية بعدم تعاون إيران مع الأسرة الدولية في المسألة. وغداة اكتشاف مصنع سري تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم، أيقن الغرب أن طهران تماطل لأجل كسب الوقت وحيازة السلاح النووي. وفاجأت روسيا والصين، وهما تربطهما علاقات تعاون وثيقة بإيران، الإيرانيين والعالم، وأجمعتا على قرار وكالة الطاقة الدولية. ويبدو أن موقف روسيا الثابت والداعي الى توسل المفاوضات لحل المسألة النووية الإيرانية، لم يحل دون اعلانها ان حيازة إيران السلاح النووي يتعارض مع مصالحها ومصالح الولاياتالمتحدة. وبرز توتر العلاقات الروسية - الإيرانية غداة تجميد موسكو صفقة بيع إيران صواريخ «إس - 300» التي تحتاج اليها طهران حاجة ماسة لحماية منشآتها النووية من هجوم جوي محتمل. وفي جعبة إيران صواريخ ارض - جو روسية الصنع متطورة من طراز «توب - إم 1». ولكن هذه، على خلاف صواريخ «إس - 300» الروسية الحديثة والقادرة على إلحاق خسائر بالطيران المهاجم تبلغ 40 في المئة، تعجز صواريخ «توب - ام 1» عن التصدي لهجمات جوية وحماية كل المنشآت النووية معاً. وعلى رغم أن طهران تعزو تجميد موسكو صفقة الصواريخ الى سياسة اميركية وإسرائيلية، تشير الوقائع الى تغييرات مهمة في السياسة الخارجية الروسية. فروسيا تحالفت مع إيران، وأرادت بعث نفوذها في الشرق الأوسط، بعد انحسار النفوذ الأميركي وتراجعه. ولكن موسكو تميل، في عهد اوباما، الى التعاون مع الغرب. فثمة مصالح كبرى أساسية ومشتركة تجمع الغرب وروسيا. وإثر تهديدها بمقاضاة روسيا امام المحكمة الدولية لتجميدها صفقة الصواريخ، وفتور العلاقات الروسية - الإيرانية ، بددت إيران الأمل بالمراهنة على موقف روسي مساند لها في مجلس الأمن الدولي ينقض مشروع قرار فرض عقوبات جديدة قاسية عليها. ولم يبق امامها سوى طلب النجدة من الصين. وتربط بين البلدين علاقات اقتصادية قوية. وإيران هي ثاني مزودي الصين بالنفط. ومنذ 2007، تنفذ الصين مشاريع ضخمة للتنقيب عن النفط والغاز في إيران. وهي تخط مشاريع بتروكيماوية ضخمة تستثمر فيها الصين 6.5 بلايين دولار. والتزمت الشركات الصينية توظيف 120 بليون دولار اميركي في قطاع الطاقة الإيراني. والمصالح هذه ترجح كفة رفض الصين فرض عقوبات قاسية على إيران، ولو ان بعض مصالحها يقتضي مراعاة موقف الأسرة الدولية من البرنامج النووي الإيراني. ولا يبدو أن في وسع واشنطن إقناع بكين بأن البرنامج النووي الإيراني يتهدد مصالحها ونظام الحد من انتشار السلاح النووي في العالم. فحيازة إيران السلاح النووي قد تحمل دولاً اخرى، مثل دولة خليجية بارزة ومصر وتركيا، على تطوير برامج نووية. فيندلع سباق تسلح نووي قد يفلت من عقاله، ويتهدد منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية. وقد تسعى اليابان، وهي أبرز خصوم الصين في آسيا، في تصنيع سلاح نووي. وهذا يقوض المصالح الصينية. وقد يدعو سعي إيران المحموم في حيازة السلاح النووي اسرائيل إلى توجيه ضربة قوية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. ويترتب على مثل هذه الخطوة نتائج سياسية وإنسانية وبيئية غير محمودة، وإلى قطع إمداد الصين بالنفط وارتفاع اسعاره. ولا يبدو ان العقوبات تؤثر في روسيا. فحجم التبادل التجاري الروسي - الإيراني لا يعتد به. ولا فائدة ترجى من فرض قيود على قطاعي الطاقة والتأمين في إيران. فالحصة الراجحة من الصادرات النفطية الإيرانية الى الصين تنقل عبر البحر. * صحافي، عن «نيزفيسيميا» الروسية، 27/11/2009، إعداد علي ماجد