عندما يستأثر الإنسان بالكلام دون غيره، فهو بذلك منح نفسه فرصة التصدر، ومتى كان الإنسان واثقاً من نفسه مطمئنا لذاته ووضعها بالمكان المناسب، هذا هو ديدن العقلاء من الناس الذين يعرفون أنفسهم قبل غيرهم، فلا يضيرهم أحمق ولا يؤثر فيهم معتوه، ولكن ثمة أناسا يزجون بأنفسهم بمكانة ليسوا أهلاً لها، وهم غير قادرين للعب الدور كما يجب - كل ما يستطيعونه هو أن يكونوا بقائمة التصدر وضمن المشهد، وهم في حقيقة الأمر أجهل ما يكونون بأنفسهم والعاقبة التي ستؤول إليها أحوالهم، هم يريدون البروز وحقيقة أنفسهم تبعث على السخرية والتندر - كل مجتمع في هذه الدنيا بُلي بهذه الفئة من البشر، فلا يملك الإنسان ردعها ومنع ما يصدر منها من تصرفات، خوفاً من العواقب - لأن الموفق من يعرف نفسه حق المعرفة، فلا يغتر بنزعات نفسه وجنوح هواه، ومعرفة النفس من أجل المعارف وأجزلها - لأن الإنسان بهذه المعرفة يستطيع أن يتجاوز أوهامه - ويعمل على تقنين تصرفاته - وبالتالي عندما يتخذ قراراً بحق نفسه يكون بمستوى النضج الذي يجعل منه سهما نافذاً في نحر الجهل وتخوم الضلال.