** عندما ترى هذه الأيام احد الناس وهو يتحدث لوحده داخل السيارة أو على الرصيف وتصدر منه حركات وايماءات وربما ضحكات، فانك لن تندهش وسترى المشهد طبيعياً، لان المؤكد أن صاحبك يتحدث عبر الجوال، وربما عبر سماعة الاذن مع أحدهم أو احداهن.. لكن ماذا لو كان هذا المنظر قد حدث قبل أكثر من عشرين عاماً قبل انتشار الهواتف المحمولة، عندها لابد وان تقف مذهولاً تراقب ذلك المعتوه، قائلاً: (هذا الرجل أصابه الجنون لانه يتحدث ويضحك مع نفسه) وقد تبادر بالفرار من الكان الذي يجمعك به، الى مكان أبعد احترازاً مما قد يبدر من ذلك المعتوه، الذي وصل به الحال إلى أن يتكلم مع نفسه وهو يمشي..!! ** العلماء لهم رأي آخر، وتحديداً علماء النفس، وهؤلاء مع اخوانهم الأطباء لهم صرعات ومواقف وآراء تظهر اليوم بوجه، وغداً بوجه آخر معاكس، فمرة يقولون ان من لديه «حرقان» بالمعدة فإن عليه ان يجعل معدته خالية نوعاً ما، ومرة اخرى يتراجعون ويقولون بل عليه الا يدع المعدة خالية بل يدفع اليها في كل لحظة ببعض الطعام.. ولكننا نحن الذين نقف خارج محيط هؤلاء الاطباء لا نملك الا ان نذعن صاغرين لآرائهم ووصاياهم، خصوصا وهم يعيدونها الى ابحاث علمية، وتحاليل ومختبرات يقولون انها (لا تخرّ منها المويه). ** ونعود الى ما قاله علماء النفس في حكاية من يتكلم مع نفسه، وهي كما تقول الانباء أحدث دراسة في الخصوص، فقد اظهرت نتائج دراسة الباحثين في علم النفس بجامعة (تورنتو) شرقي كندا أن الحديث مع النفس شيء طيب ولا غبار عليه من جنون او هلوسة او غيرها، بل ويضيفون أن هذا الفعل مفيد ويمنع أولئك الذين يكلمون أنفسهم من ارتكاب سلوك متهور، بمعنى ان الواحد منا لابد ان (يفضفض) عن نفسه، ويتكلم معها ما شاء الله له ان يتكلم، حتى يمنع نفسه من عمل متهور، وحتى يضبط السيطرة على سلوكياته.. وقام الباحثون بمراقبة عينات من الناس تركوا لهم فرصة الحديث مع النفس مباشرة، وآخرون اعاقوهم من الحديث مع أنفسهم، فكانت النتائج الايجابية لصالح الفريق الأول الذي لم يرتكب خطأ ولا تهوراً، ولمن أراد المزيد عليه العودة إلى مجلة «أكتا سيكولوجيكا» الطبية. وهناك في واقع الأمر من يرى أن هذا الموضوع لم يتطرق له الطب ولا حتى علم النفس كثيراً، مع إن الإنسان بحسب هؤلاء يقضي أكثر وقته مع نفسه، وأكثر إنسان يتحدث معه المرء هو نفسه.. وهذا ما أكده الدكتور حسن صندقي استشاري الباطنة والقلب بمركز الأمير سلطان للقلب بالرياض.. وفي الجملة فإن دراسات نفسية تؤكد أن الحديث إلى النفس هو أحد انجح طرق علاج التوتر، فإذا اكتشفت أنك تتحدث إلى نفسك بما يقابلك من مشاكل، أو ما يدور في رأسك من الوساوس فلا تنزعج، لأن الحديث إلى النفس عندئذ وسيلة لتحديد الافكار، وصولاً إلى الاقتراب من حل المشاكل التي تواجهك. ** وأظن أن كلمة السر في الموضوع كله، أن الإنسان الذي يتحدث أو يتكلم مع نفسه مرات متباعدة هو حالة طبيعية، وتحدث مع الكثيرين، لأن الحوار مع الآخرين لابد أن يبدأ بحوارك أنت مع نفسك، وثمة من يعتقد أن هؤلاء يتمتعون بذاكرة قوية، ورغبة إلى تنظيم أفكارهم، والقدرة على قراءة المستقبل.. وأخيراً هل تستطيع الزوجة أن تجعل زوجها (يمشي وهو يكلم نفسه)؟.. نقول نعم، ونحن نقصد هنا حديث النفس الايجابي، وقد كتبت إحدى النساء كلمات ووصايا وخلاصة لتجاربها في الحياة، بما يمكن أن أقول عنه إنه كلمات تكتب بماء الذهب، فقد كانت توصي فيها الزوجات بأزواجهن، وكيف تتعامل الزوجة الحكيمة الذكية مع هذا الكائن (الزوج) من خلال توفير كل أسباب الراحة له في بيته، وكل العطف والحنان له داخل وحتى خارج البيت، وكيف تتفنن في اسعاده وادخال السرور والبهجة إليه، حتى وان أخطأ عليها.. عندها لا يمكن للزوج غالباً إلا أن (يمشي وهو يتكلم مع نفسه) عن ذلك الملاك الجميل في بيته (زوجته).