نبحر اليوم في الأدب العربي ترويحا عن النفس بعيدا عن أعباء وهموم الحياة وإن لم يخلُ الأمر مما قد يصنفه البعض إسقاطات وهي كذلك . إلا أن هدف التغيير هو غيض " العجم " والبحث عن ذاتنا ومن هم حولنا لنعلم أين نحن ..؟وأين هم ..؟وما الحجم الذي يجب أن يعطيه الإنسان لنفسه لتكون انطلاقته التي يصنع منها نجما ..؟لا أن يدعي ما ليس قادرا عليه فيلبس عباءة غيره .وهنا تكمن نقطة البداية ولا عيب في ذلك فكلنا نتعلم، إذ لا يوجد شخص فاشل ولكن يوجد شخص بدأ من القاع وبقي فيه . ولنتذكر أن أفضل المعرفة معرفة المرء نفسه وأفضل العلم وقوف المرء عند عمله وأفضل المروءة إبقاء المرء ماء وجهه . فالأدب العربي إرث لا ينتهي من الحبر والورق وتراث بديع وغني فيه الجد والهزل، الحكمة والسذاجة، وفيه الأحمق والمغفل يسيران جنبا إلى جنب مع الأديب والمفكر . كُتب يسطرها هؤلاء بعقولهم النيرة يقابلها دواوين يحيكها أولئك بأفعالهم البلهاء التي لا تخلو من الغرابة والطرفة .ولكنهم في النهاية أنداد ويا " للأسف " يتساوون ..لكل منهم ركن ثابت وحصص متساوية من ذلك الإرث فلا فرق بين الأديب والأحمق، فلكل حضوره ومنبر لنشر دعوته .فذاك يغذي مدارك القارئ بطيب الكلام وهذا يدخل البهجة والسرور عليه فكلاهما يجلسان في ذات الصف والمكان ..لترى العجب العجاب، فالمتنبي والأصمعي يتشاركان المجلس مع " ابن الجصاص وأبي غبشان وعجل بن لجيم " ..فريق من الأدباء وآخر من الحمقى يتصارعون بين أسمعنا يا أبا الطيب بعضا من حكمتك ودررك وأضحكنا يا " عِجل " بما صنعت اليوم من حماقات ويا أيها " الحاجب " أجزل لهما العطايا . فزمننا هذا امتداد لذلك التاريخ وجزء منه ..ولسوف يأتي اليوم الذي يُكتب عن الأديب فينا والأحمق ولسوف يذكر التاريخ لنا ما تركنا خلفنا من الحكمة والحماقة .فانظروا بعين المتفحص في كُتاب صحافتنا أجزم أنكم سوف تتخيلون أنفسكم تتصفحون كتاب " أخبار الحمقى والمغفلين " لابن الجوزي . ومن يعتقد أن المعرفة تُطلب من الأدباء دون الحمقى فهو مخطئ فالأديب يهديك واحدة والأحمق يهديك ثلاثاً فبالإضافة إلى أنه يضحكك فهو يعلمك أن لا تقع فيما يخوض من البلاهة كما وأنه يذكرك بشكر الله على ما أنعم عليك من نعمة العقل التي نزعها منه ..وعليه فلا غرابة إذا ما أخذ " الأحمق " دور الأديب " الألمعي " في نثر علومه على الناس ولكن بطريقته المختلفة " خُطباً " وليس " فعلاً " فإن لهم في ذلك سبقاً لا يجاريهم فيه أحد . فهذا أبٌ يرسل ابنه الأحمق ليشتري رأساً مشوياً ففعل وجلس به في الطريق وأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه لأبيه فقال " ويحك " ما هذا ..؟قال الذي طلبت .قال فأين " عيناه " ..؟فأجابه " كان أعمى " .فقال أين " أذناه " ..؟فأجابه " كان أصم " .فقال أين " لسانه " ..؟فأجابه " كان أخرس " .فقال أين " دماغه " ..؟فأجابه " كان أقرع " . قال " ويحك " رده وخذ بدله ..فأجابه " باعه صاحبه بالبراءة من كل عيب " . قصة ظاهرها الحمق والغباء " نعم " ..لكن باطنها فطنة خرقاء " يائسة " في محاولة للالتفاف على الحقائق . فلا تستغربوا ذلك لأن لدينا من الكتاب ما قد يفوق هذا الابن حمقا لدرجة قد يختلط عليك الأمر أكان هذا الابن الأحمق يصف الرأس المشوي لأبيه أم أنه يصف رؤوس بعض كتابنا التي جمعت العمى والصمم والخرس في وعاء واحد أقرع " فكريا " ..؟وعليه وجب قبولهم كالرأس المشوي بالبراءة من كل عيب . وهذا " شيبوب " ضمه التاريخ متجاوزاً " حُمقه " فقد عاش أخوه " عنترة حراً " برغم وجوده في حقبة جاهلة وبائدة تفاخر ب " الأنساب " والألوان فصنع لنفسه مكاناً لفارس وبقي " شيبوب مملوكاً " لضعفه لأنه أحب دور " الكومبارس " في بطولات من حوله فكان دوره " ناصراً " فقط يقف خلف أسياده عندما يحمى الوطيس ينتظر ما يجودون به عليه من الغنائم، فقد اختار بحمقه أن يكون " رِجْلاً " تحمله إلى ما لا يعنيه في الوقت الذي اختار عنترة أن يكون " هامة " بدفاعه عن " عبلاه " ومع هذا فقد سجله التاريخ إذ إنه لا ينسى حتى الصغار لنبقى في حيرة من أمرنا هل نأخذ الحكمة من الحمقى أم من الحكماء والأدباء والشعراء ..؟وهل نصدق " الأصمعي " ..؟الذي وصف نفسه ب " الألمعي " وهو كذلك حين انتزع حقوق الشعراء بفطنته وبلاغته وهو ينشد قصيدته " المشكوكة " قائلاً : أنا الأديب الألمعي من حي أرض الموصل نظمت قطعا زخرفت يعجز عنها الأدب لي أم نصدق " أحمقاً " ..؟يرى في نفسه " ألمعياً " قادراً على حشر كل كتاب الصحافة بمفرده والنيل منهم بما يملكه من غزارة فكر وتمكن وأدب جم لا يراه مختلفا عن أدب الأصمعي فمقالاته قطعا زخرفت يعجز عن مقارعتها الكتاب غير أن ما يختلف فيه عن الأصمعي أن قصيدته عنوانها " صوت نقيق الضفدع " و " ليست صوت صفير البلبل " . فمن تاه عن أحمق يهذي بما لا يستطيع يجيبه " الخليل بن أحمد " الناس أربعة : رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك " عالم فخذوا عنه " ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك " ناسٍ فذكروه " ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك " طالب فعلموه " ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك " أحمق فأرفضوه " qssqq@hotmail .com