حصر خبيران اقتصاديان أسباب استمرار وتيرة التضخم المرتفعة بالمملكة، في 3 عوامل أساسية ابتداء بالتضخم المستورد، ومرورا بالخلل الهيكلي في سوق الجملة والتجزئة، ووصولا إلى قوة نمو الاقتصاد السعودي والتوسع في الإنفاق الحكومي. ولا تختلف آراء الاقتصاديين كثيرا حول إمكانية الإمساك بمواضع الخلل وطرق معالجتها، في حين أنهما يجمعان على حلول طالبا بها لكبح جماح التضخم، لا سيما في ظل استمرار غلاء المعيشة التي يصاحبها تدني الأجور في الكثير من مجالات العمل. وأوضح الخبير الاقتصادي عبدالوهاب أبو داهش ل"الوطن، أن سوق المملكة عادة ما يكون مرتبطا بالأسعار العالمية بسبب تثبيت سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي يعكس ما تشهده الأسواق العالمية من تضخم على السوق المحلية. ويتفق الخبير الاقتصادي فضل البوعينين مع ما ذهب إليه أبو داهش، مطالبا ببذل جهود حكومية أكبر لضبط السياسة المالية للبلاد بما يحقق التنمية المتوازنة وكبح جماح التضخم، داعيا في الوقت ذاته إلى معالجة مشكلة التضخم المستورد الذي حدث لأسباب مرتبطة بضعف العملة المحلية مقارنة بالعملات الأجنبية. أما فيما يتعلق بالعامل الثاني المتمثل في الخلل الهيكلي لسوق الجملة والتجزئة، فأوضح أبو داهش أن عدم وجود أنظمة كافية وتدني مستوى الشفافية والوضوح فتح الطريق أمام احتكار الأقلية لمجالات تجارية عدة، الأمر الذي تسبب في رفع الأسعار، مطالبا وزارة التجارة بوضع حلول آلية وإجبار التجار على وضع بطاقات الأسعار وتشديد الرقابة على ذلك. وعاد أبو داهش بالزمن إلى الوراء، عندما تحدث عن حقبة الثمانينات الميلادية، إذ نجحت وزارة التجارة آن ذاك في حملاتها الترشيدية وتشديد الرقابة ووضع بطاقات الأسعار، مما ساهم في استقرار الأسعار، داعيا إلى تكرار التجربة، مبينا في الوقت ذاته أن تلك الحملات وما تضمنته من مراقبة للأسعار غائبة كليا في الوقت الراهن. وأشار إلى وجود تفاوت سعري كبير يصل إلى 5 ريالات بين محل وآخر للمنتج نفسه، مضيفا أن مثل هذا الخلل الهيكلي لا يحل في سنة أو سنتين، إذ لا بد أن تتضافر الجهود لتطبيق رقابة صارمة. أما البوعينين فقال إن من الأهمية بمكان فب ظل ارتفاع الأسعار، ضبط سوق التموين من خلال التعامل الحذق مع أسعار الفائدة، مضيفا: "أما الرقابة فاعتقد أن لها دورا مهما في كبح جناح غلاء المعيشة بالسيطرة على الأسعار وهذه مسؤولية وزارة التجارة" وعن المسبب الثالث يرى البوعينين، أن غلاء المعيشة من العيوب الرئيسية للتنمية، مضيفا أنه وفي الوقت الذي تستفيد منه شريحة محدودة من الإنفاق الحكومي التوسعي على مشاريع التنمية، يعم ضرر التضخم الجميع، مما يدفع الحكومات إلى السيطرة على التضخم بنطاق ضيق. وأضاف البوعينين أن التضخم في المملكة ما زال يفوق المعدل المقبول عالميا، مما سبب غلاء فاحشا للمعيشة، مشيرا إلى أن ما يغذي التضخم هو الأنفاق الحكومي التوسعي، مطالبا في الوقت عينه تسريع إنجاز مشاريع الدولة التنموية بكفاءة، والذي سيؤثر إيجابا في السيطرة على التضخم خاصة مع خروج العمالة الضخمة التي دخلت السوق لأسباب مرتبطة بالمشاريع التنموية، إذ إن في خروجها خفضا للطلب على السلع والخدمات وهذا يخفض من غلاء المعيشة المستشري. كما يرى أبو داهش أن النمو القوي في المملكة مع تراجع الاقتصاد العالمي أدى إلى زيادة الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية ورفع الأجور تسبب في زيادة التضخم. إلى ذلك يرى مراقبون أن استمرار صناديق استثمارية ضخمة في الدول الصناعية الكبرى في المضاربة على العقود الآجلة لأسعار السلع والخدمات من دواء وغذاء، إضافة إلى المواد الخام مثل البترول، حيث توجد مضاربة شرسة من قبل صناديق ومستثمرين كبار ينطلقون من الدول الصناعية الكبرى إلى جانب الصين والهند للمضاربة على الأسعار المستقبلية للسلع الأساسية من الأدوية والأغذية، لهذا ستستمر هذه المضاربة برفع تكلفة المنتجات الأساسية. وأشار المراقبون إلى إن المملكة التي تستورد أغلب احتياجاتها من الخارج تحتاج إلى إعادة النظر في ربط سعر صرف الريال بالدولار، واتخاذ خطوات سريعة من حيث الاستثمار بالأمن الغذائي ومستقبله، وذلك بأن يكون هنالك صندوق يدار بمهنية عالية واحترافية ويقارع تلك الصناديق العالمية والبدء بتملك شركات بطريقة مدروسة ومالية، داعين إلى تكوين شركة كذراع استثمارية تسمى بصندوق أغراض خاصة (صندوق الملكية الخاصة)، يدار بشكل استثماري، بحت ويقوم هذا الصندوق بالاستحواذ أو الدخول بمشاركة شركات عالمية يكون نشاطها في الزراعة والأغذية، مضيفين أنه ومن خلال إجراء هذه الشراكات وتملك أسهم لهذه الشركات، يمكن للبلاد توجيه جزء كبير من المحاصيل لأراضيها وتكون شريكا في ملكية بعض المحاصيل.