إن البيئة التي ينمو فيها الإنسان بكل ما تحويه من أفكار وأطروحات فكرية، وتربوية، واجتماعية، واقتصادية لتؤدي إلى النظرة التي من خلالها ينظر الناس إلى مجمل الحياة وهي كفيلة لأن تحدث الاختلاف في معايير التمييز والتفضيل في الأماني والرغبات، وبالتالي المقاصد التي يسعى من خلالها الناس لاستخدام الوسائل لتحقيق تلك الأماني، ونجد من هؤلاء من أحب أن يكون محلقا في جو السماء، ينظر إلى السفليات والرخيص من الأشياء من فوق، فلا يجد منها قربا إلى نفسه فلا يرضى بالدون، لأنه أشغل نفسه وفكره بقمم الجبال الراسيات من المبادئ والقمم، وناطح السحاب الذي يمثل فكره الحضاري الراقي المستنير. ومنهم الراكب فرسه المنطلق في فيافي الأرض حاملا زاده وزاد راحلته متوكلا على مولاه، يقف في طريقه كثيرا، وقد يتعثر ويغفل، لكنه سرعان ما يستيقظ وينتبه، وإذ به يتوضأ ويقبل مستغفرا وداعيا وطالبا من الله التوفيق والسداد، ثم يتبع المسير كي يلحق بالركب وينافس في المضمار، وهديه في ذلك أولئك الذين ساروا من قبله، ووضعوا ملامح السير فكانوا سراجا بهم يهتدي السائرون، وعلى آثارهم يقتفي العاملون، وفوق بنائهم يبني بناة مجد الأمة. وهناك آخرون يمشون على أقدامهم ولا يستخدمون غيرها على الرغم من وجود وسائل أخرى متاحة تقلل من المسافة وتتيح فرصا أكبر للتفكير والتدبير والاختيار. وأما النوع الأخير وهو يمثل العدد الأكبر ممن استهواه اللهو فلم يبال بما يدور حوله فظل مراوحا مكانه، وقد يكون ممن شاهد ذلك العدد من الأجيال يولد ويكبر ويسابق، ويسير في ذات الدرب المرسوم، ولاحظ صفات السائرين وكيف كانوا أكثر همة وفعالية وأداء، لكن الغافل يمضي وهو يتأمل وينظر نظر المغشي عليه، رادفا الكسل، صاحبا الخمول كأن الأمر لا يعنيه ليكون بعد ذلك وقبله من فئة "المتفرجين".