نشرت "الوطن" في عددها (4172) يوم الجمعة 9 /3 /1433 مقالا بعنوان (بين القضاء والقانون) للكاتب أسامة القحطاني قال فيه: "لما أقر قسم القانون في جامعة الملك سعود قامت الدنيا ولم تقعد ووصل الأمر إلى التكفير". فأقول: لما أنشئ قسم القانون كان نسخة طبق الأصل من الأقسام القانونية في الدول العربية فكان يجب الإنكار ولم يصل الأمر للتكفير، وسبب ضعف مخرجات القسم أنها لم تساير الفقه وتعمل جنبا إلى جنب معه للشأن العام بل كانت منفصلة. وقلت: "كلية الشريعة تخرج الواعظ وليست تخرج القاضي"، فمن جانب أنها لا تعطي فكرة للطلاب عن الأنظمة المرعية المعمول بها في بلادهم فصحيح. ولكنك استعجلت حين زعمت أنها لا تهيئ للقضاء بل تهيئهم لمنصبهم القضائي. وكان عليك أن تراجع كلامك وتنصف، فقد درست الأنظمة والشريعة، وهذه هي السياسة وهي ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد. وإن لم ينزل فيه وحي ولا وضعه النبي صلى الله عليه وسلم. فكل ما لم يتعارض مع الكتاب والسنة والإجماع ولا كليات الشريعة ويكون مستمدا من الأعراف والمصالح بضوابطها المذكورة فهو من الشريعة. ولكن إن أردت أن تدرس القانون الوضعي الحالي فله مدارسه ومناهجه المخالفة للشريعة الإسلامية، كما أن القاعدة الشرعية تخالف القاعدة القانونية في أمور: إن الشريعة من عند الله تعالى معصومة وتكون منصوصة أو مستنبطة. وإن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، ما يعني أن باب الاجتهاد مفتوح بالضوابط الشرعية وإن نشأة الشريعة كاملة (اليوم أكملت لكم دينكم) والشريعة تسبق حاجات المجتمع بينما القانون يتأخر عن حاجات المجتمع وهو فكر بشري متأخر عن الحاجة. والشريعة فيها جزاءان دنيوي وأخروي، أما القانون ففيه جزاء دنيوي فقط. فالمقترح حاليا أن تنشأ أقسام للأنظمة تدرس فيها العلوم الشرعية كاملة إضافة للعلوم القانونية ولو أخذت فترة أطول في التدريس كخمس سنوات. أما إطلاق الأنظمة على أقسام القانون فكلمة نظام أدق وأحسن لما فيها من الارتباط بالشريعة مصدرا بخلاف القانون فعمل بشري محض والعجب أن يخفى هذا على مثلك. والقاعدة القانونية تصلح لجماعة دون أخرى والشرعية مرنة تتوافق مع كل الظروف ولا تخضع لوضع أرباب الجماعة والقانونية جامدة تتفق ورؤية واضعيها والشرعية تعبدية في تطبيقها والجزاء فيها أخروي ودنيوي، وأما القانونية فلا نظر للآخرة فيها، والشرعية تراعي الأخلاق، أما القانونية فلا تراعي الأخلاق بل الحرية الشخصية تقدم على الأخلاق، كقواعد الزنا عند القانونيين والعقاب فيها دنيوي محض والقاعدة الشرعية تأديبية في عقابها إصلاحية تهدف للرقي بحال الجماعة، أما القانونية فهي عقابية لأجل العقاب وقد تكون انتقامية لا إصلاح فيها. فالشرع يتشوف للعفو في الزنا والسرقة والشرب بل الحدود حتى الردة وتتشوف لرفع الحرج عن الناس والإصلاح فالمرتد يستتاب وتقول للزاني لعلك كذا وقد يلقن الحجة وتأمر بالستر عليهم أما القانونية فتتشوف للعقاب، فلعل فضيلتك قد تبين لك عدم التكلف في إطلاق كلمة قانون على النظام ولعلك تراجع ماكتبه الأشاوس من الخبراء في القانون والشريعة كالشيخ عبدالحميد غراب وعبدالقادر عودة وعبدالكريم زيدان وغيرهم. وكثير من الدول العربية يفرقون بين المصطلحين، فالقانون أعلى رتبة من النظام، والنظام قبالة اللائحة، وبعضهم يجعل النظام ما يصدر من السلطة التنفيذية والقانون ما يصدر من السلطة التشريعية. فكان مصطلح النظام ما يصدر من سلطات الدولة وفي ضمنه معنى عدم مخالفة الشريعة وهو المفقود في مصطلح القانون. كما أن استعمال كلمة النظام فيه تأسيس لمعنى جديد، واستقلالية بشرعنا، والمصطلحات شعار الأمم ولكل أمة مصطلح، فلماذا نتبع أذناب البقر ولا نتفرد بمصطلح يخصنا وهو أمر محمود. كما أن الفرق ثبت بين القاعدة النظامية والقانونية، فخصائص القانونية هي العموم والتجريد وتنظيم السلوك الاجتماعي والإلزام مع الجزاء، فالثلاثة السابقة مع القيد الفارق الخطير هو عدم مخالفة الشريعة الإسلامية. كما أن كلمة نظام عربية والقانون مختلف فيها، وتوحيد المصطلح يسهل على غير المختص فهم المراد وعدم التشتت كما أن مصطلح قانون مختص بالوضعي المخالف للشرع. قال الشيخ محمد أبو شهبة: يحرم استعمال كلمة قانون، وكلمة نظام هي الأصل، كلمة قانون لها دلالة عرفية على الوضعي والبشري. فالأولى احترام المنظم السعودي في اختياره لكلمة نظام لحتمية رجوعه للشريعة، والنظام وضع بمعرفة العلماء والمراسلات بين العلماء والمنظمين مشهورة. وتعريف النظام: ما سن ولي الأمر نفسِه أو من ينيبه بما تقتضيه المصلحة الشرعية من مسائل موضوعية أو إجرائية لا تعارض الشريعة. أ.د محمد بن يحيى النجيمي أستاذ الأنظمة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة