دفع مواطن ثمن شهامته بكفالة ابن جيرانه الآسيوي في قضية جنائية ليُغادر الأخير منزل ذويه إلى غير رجعه تاركاً المواطن الذي كفله لدى الجهات الأمنية يعضُ أصابع الندم مُتحسراً على تعهده بإحضاره حال صدور حكم قضائي ضده يستوجب التنفيذ. وباءت محاولات ومساعي المواطن الشاب ( ت ، م ) 30 عاماً بالفشل في الوصول إلى ابن جيرانه الآسيوي ليبرئ ساحته من الكفالة الحضورية. وأُضطر المواطن لاصطحاب زوجته وطفلته ذات العام الواحد في جولات مكوكية بين مكة والليث وجدة والطائف والمدينة، حيثُ يقطن أقارب الفتى الهارب أملاً في العثور عليه وتسليمه للجهات المختصة. ويقول المواطن ( ت، م ) إن مشكلته بدأت منذُ عام 1426 عندما أُوقف ابن جيرانه الآسيوي في قضية جنائية وكان في الرابعة عشرة من عمره آنذاك، لكن هروبه غير مسار القضية وأدرك حينها أنه فعل المعروف في غير أهله. وأردف قائلاً: ما زلت أدفع ثمن ثقتي المفرطة في ابن الجيران بتعطيل جميع مصالحي وتوقف رقم الحاسب الآلي الخاص بي وهو ما حال دون تجديد بطاقتي الوطنية وتعثر معاملاتي لدى كافة الدوائر الحكومية وتعذر توظيفي في القطاعين العام والخاص. وزاد الأمر سوءاً عجزي عن تسجيل وإضافة طفلتي الوحيدة إلى "كارت" العائلة وهي في عامها الأول ولا أدري كيف سيكون مُستقبلها طالما أن مصيرها بات مُتعلقاً بإحضاري المطلوب الهارب، وقد ضُقت ذرعاً بالبحث عنه في كل ناحية ولم أعثر له على أثر وأبلغت الجهات الأمنية بذلك وطلبت منهم مساعدتي في العثور عليه إلا أن تحميلهم لي مسؤولية كفالتي له أصبح بمثابة من يحمل جبلاً على كاهله، وقد نمى لعلمي أن مكفولي الهارب جرى ترحيله إلى بلاده في قضية مُماثلة وبالرغم من ذلك ما تزال القضية مُسجلة بحقي ومُطالبتي بإحضاره. وتساءل الشاب عما إذا كان أمد قضيته سيطول أم أنه سيجد حلاً إن لم يكن من أجله فمن أجل أُسرته الصغيرة. وبعرض القضية على الناطق الإعلامي بإدارة شرطة العاصمة المقدسة المقدم عبد المحسن العبد العزيز الميمان أكد ل"الوطن" أن قضايا الكفالات الحضورية يتحمل تبعاتها الشخص الكافل إذ إن الكفيل مُلزم بإحضار من كفله عند طلبه لأي جهة أمنية أوغير أمنية وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التساهل في مثل هذه القضايا، لا سيما المُتعلقة بحقوق مالية من مبدأ حفظ حقوق الآخرين. وأضاف الميمان أن الشرطة لا تتوانى في مساعدة الكفيل في حال تعذر عليه الوصول لمكفوله، بالبحث عنه وإحضاره بالقوة الجبرية إذا استدعى الأمر ذلك بعد إبلاغ الدوريات الأمنية بموقع وجود الشخص المطلوب. وقال مدير مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خطيب وإمام جامع الأميرة شيخة بمكةالمكرمة الدكتور محمد السهلي إن الكفالة يُقصد بها في معناها الفقهي التسهيل والتيسير لاستكمال الموقوفين أوراقهم وهذا من باب التبرع والإحسان، والكفالة مُلزمة شرعاً وقضاءً بأدائها إن كانت حضورية أو غرمية، ولكن الحقيقة أن الكفالات تترتب عليها مآس كثيرة على الكفلاء إذا ما بلغ حد تعطيل رقمهم على الحاسب الآلي وهذا يحرم ذويه من قضاء مصالحهم، ويحرم رب الأُسرة من الصرف على عائلته. وتمنى الدكتور محمد السهلي على قُضاة المحاكم الشرعية حين النظر في مثل هذه القضايا أن ينظروا إليها بعين الرحمة والشفقة لأن الكفلاء لا ذنب لهم سوى أنهم عملوا بروح الشريعة من خلال كفالتهم أشخاصا بقصد التسهيل عليهم وتمكينهم من رعاية أُسرهم ومتابعة قضاياهم. وأيد قاضي محكمة الاستئناف بمنطقة مكةالمكرمة الشيخ طنف الدعجاني موقف الشرطة من قضايا الكفالة الحضورية، لافتاً إلى أن قُضاة المحاكم الشرعية مُخيرين بين أمرين إما إلزام الكفيل بإحضار مكفوله أو تقدير الظروف المحيطة بالقضية بعد دراستها من كافة الجوانب ويتوقف الأمر على رؤية القاضي واستنتاجه حيال ملف القضية.