تؤكد "فاطمة"، وهي مستخدمة لجهاز الآيفون أنها أوشكت على دخول مرحلة الجنون منذ حصول زوجها على جوال بلاك بيري هدية من صديق، فالصمت عم أرجاء منزلها فجأة، ولم يعد للحديث مكان، وأصبح كل ما تسمعه فرقعة أصابع زوجها وضحكاته التي لا تعرف لها سببا. تقول إن برامج كثيرة يتم تحميلها وإدخالها إلى جهاز الآيفون تزيد من نسبة التعارف، وتجعل الطريق مفتوحا أمام حاملي نفس الجهاز، ولكن هذه المزايا الضخمة تسببت في نهايات مؤلمة في حياة كثير من المتزوجين الذين انتهى بهم المطاف للانفصال. عمر العكوف، أحد مستخدمي الأجهزة الحديثة يقول إن "أجهزة الاتصالات الحديثة وفرت للمستخدم إمكانية تأسيس مجموعات " قروبات" جديدة تستهدف شريحة معينة، وأشخاصا بعينهم مختلفين بالفكر والثقافة، ومن الجنسين، ويمكن استخدام رموز واختصارات متعددة تخدم المجموعة بشكل سريع ومفهوم، وخاصة الأطفال الذين يمكن تعويدهم على رموز معينة سهلة الحفظ والتكرار". ويقول "محمد" أحد مستخدمي الأجهزة الحديثة، وعلى وجهه نظرات تعجب إن زوجته فقدت فن الحديث، ولباقة الكلام معه، وأصبحت تشيح بوجهها مبدية استياءها من كلامه، بعد أن وجدت من تبادلهم الحديث من خلال الآيفون. ويضيف أن الصمت يعم مقر عمله معظم وقت الدوام، لأن الكل لاهٍ بجهازه، وتظهر من حين لآخر ردود أفعالهم ما بين ابتسامات تعلو الوجوه، أو ضحكات هستيرية، أو نظرات انبهار، وقد ترى من حين لآخر من يرفع رأسه ويحرك رقبته يمينا تارة ويسارا تارة أخرى، ومنهم من يجري لإجراء معاملة، ويعود بسرعة البرق لإكمال حديثه في الجوال على أحد البرامج المضافة، ناهيك عن " الشاتات والواتس اب، والبالرينجو والبرود كاست " والصور والخلفيات وغير ذلك الكثير من البرامج التي استحوذت على كل الوقت" . .. هذا هو الواقع الجديد في حياة حديثة سيطرت عليها مظاهر "التكنولوجيا" حتى أصبحت ألفاظها قائمة على رموز واختصارات كثيرة، من هذه الرموز "برب" وتعني "سوف أعود لاحقا"، و "تيت" ومعناها "خذ وقتك"، و "باك" ومعناها "عدت"، و "لوول" وتعني الضحك بسخرية"، و "تيب" وهي دلع لكلمة "طيب".. حتى الطفل ذو الخمسة أعوام عندما يستأذن للخروج يقول لأبيه بألفاظ البراءة المختلطة برموز العصر "بابا تيت". الاختصاصي الاجتماعي فيصل السليم يقول ل " الوطن" إن "التقدم التقني السريع في العالم شهد قفزات وتحورات لبعض المصطلحات اللغوية التي أثرت على الطفل بشكل خاص، والفرد بشكل عام، وكثير من مستخدمي أجهزة " الآيفون والبلاك بيري والجالاكسي " أصبحوا في سباق سريع مع الزمن، تكاد حياتهم تخلو من مشاعر الود وجميل الحديث، فألفاظ كثيرة اختصرت، فأصبح الحوار بإشارات لا يعيها ويفهمها إلا حاملو هذا النوع من الأجهزة". أما سلمان العمري المتخصص في اللغة العربية فيقول إن "استخدام مصطلحات تقنية كالكلمات التالية " تيت" ، وباك ، وبنق .. وغيرها " سيؤثر لفظياً ولغوياً على لسان الطفل، مع العلم أن مراحل النمو اللغوي تكتمل في السنة الخامسة إلى السادسة". وأضاف أن "الطفل يمر بعدة مراحل تبدأ بمرحلة الصراخ، ثم المناغاة، ثم نطق الكلمة الواحدة، ثم الكلمتين، ثم الجملة كاملة، وقد لا تكون مفهومة لغويا "، مشيرا إلى أن " البرود كاست، والكثير من هذه البرامج المحملة في الأجهزة ستنعكس لغوياً على مستخدمي هذه الأجهزة". من جانبه أكد مدير إدارة محكمة دومة الجندل، الشيخ عيسى بن إبراهيم الدريويش، على أهمية استخدام المصطلحات اللغوية العربية المفهومة، والتي لها مدلولات إيجابية، وتعكس ثقافة الفرد والمجتمع، محذراً في الوقت نفسه من التعليقات السيئة لقراء وزوّار المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت التي تسبب الأذى للآخرين، مؤكداً أن كل عبد سيحاسب على كل كلمة تضمنت حقداً أو شتيمة، أو تشهيرا، أو حقداً، وغيبة، وطالب أصحاب المواقع الإلكترونية بالتنبه إلى التعليقات التي تطال الأشخاص بعينهم، والمواطنين، أو المقيمين، منبها إلى خطورة الاستهانة بالأشخاص، والانتقام منهم عن طريق التعليقات بأسماء مستعارة عبر هذه المواقع.