الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية جمهورية الهند    استشهاد 9 فلسطينيين في قصف إسرائيلي لمنزلين في بيت لاهيا والنصيرات    الكويت تدين تصريحات وزير حكومة الاحتلال بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية    ارتفاع أسعار الذهب قليلًا    الأمم المتحدة : ندعم جهود وقف إطلاق النار في فلسطين ولبنان وكافة مناطق النزاع    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    من أعلام جازان.. اللواء والأديب إبراهيم الحمزي "رحمه الله "    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    السعودية وقضايا العرب والمسلمين !    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم ومساندة تنفيذ المشروعات بالمنطقة للربع الثالث 2024    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسانية بين الحداثة وصراع الحضارات(د.عصام حجازي)
نشر في الوطن يوم 12 - 03 - 2012

يرمي هذا المقال إلى عرض لأزمة الإنسان المعاصر على الأخص في الدول الغربية، وتحليل مقولاته التي ينشد بها الطمأنينة والسلام الذاتي، حيث تتبنى أفكار معظم الفلاسفة والمثقفين في الغرب، أفكار ما بعد الحداثة التي تنادي بمحو الذاكرة وتشييء الإنسان وتمركزه حول العالم الطبيعي والمادي باعتباره الثابت الوحيد في الوجود.
ومن جانب آخر هناك أصوات أخرى في الغرب تنادي بشحن الأجواء وتسييد نمط ثقافي معاد للآخر الديني والحضاري، ومن هاتين النظريتين يمكن سبر أغوار العقل الغربي الذي لا يجد ضالته إلا في قض مضجعه ومضاجع الآخرين، فالعقل الغربي في رحلة بحثه عن الخلاص وعن السعادة الأبدية، يتبنى الحداثة كإطار معرفي يعبر به إلى بر الأمان.
ومع تقدم آليات التحديث والتراكم المعرفي المتاخم لها، وجد العقل الغربي ذاته حائرة، فلم يرى الجنة التي طالما بشر بها، بل وجد حربين عالميتين قتل فيهما عشرات الملايين من البشر، ووجد مفاهيم فاشية ونازية تكاد تعصف بالوجود الإنساني كله، ثم كان فشل المشروع الحداثي في معرفة الإنسان ذاته، هذا الإنسان الذي هرب من الحداثة إلى ما بعد الحداثة بكل أزماتها المعروفة من أزمة للمعنى وأزمة للمجتمع وأزمات في الأسرة.
اليوم العالم الغربي يدفع ثمن حداثته وعناده وإصراره على البحث في الطريق الخطأ، فهو في إطار معالجته لمشاكل تفتت الأسرة، نجده يبتكر أطراً جديدة مثل الأسرة ذات الأب الواحد أو الأم الواحدة أو أسرة من رجلين وامرأة أو امرأتين ورجل.
وفي سبيل بحثه عن السعادة التي لم يجدها، نراه يتعامل مع الحياة من منطق مادي أحادي الجانب لا يرى فيها إلا متعاً مادية غرائزية ويرفض تماماً أن يخرج عن شرنقة أسطورة "الطبيعة – المادة"، فالفكر الدارويني الذي شكل الإطار المعرفي لهذا العقل جعله يرفض كل مقولات التجاوز والثنائية، سواء كانت تلك الثنائية المادة/ الروح أو الطبيعة / الميتافيزيقا أو الإنسان/ الإله وغيرها.
ومن هنا نجد العقل الغربي يضع حداً لشقائه، عن طريق وضع نهايته بنفسه، عبر ما يسمى، القتل الرحيم “Merciful Death”، حيث يذهب الفرد إلى أماكن متخصصة “clinics” ليأخذ شرابا معيناً ينهي به حياته، فالعقل الغربي في موروثه الحضاري يحركه ثلاث فلسفات: (الداروينية والهيجلية والفرويدية)، وساهمت تلك الفلسفات في تكوين خريطته الإدراكية، مما أدى إلى اصطدام الإنسان الغربي مع ذاته أولاً ومع عالمه ثانياً.
وعمد للتغلب على صراعه مع الذات إلى ابتكار آليات تقلل من حدة الاحتكاك الداخلي مع الذات، فعمد إلى تشريع وترشيد ما عجز عن إصلاحه، فمع انتشار حركة الجنس الحر في منتصف الستينيات من القرن المنصرم وتحول المجتمعات الغربية من الحالة المادية الصلبة إلى المادية السائلة، لا نجد فلاسفتهم يتوقفون لمراجعة أفكارهم وتقييم أخطائهم، بل نجدهم ينادون بأن لكل شيء مرجعية ذاتية، وبنسبية الأخلاق وبسيادة النماذج المنفصلة عن القيمة.
ومعظم أزمات العالم الغربي الحديث بدأت من هذا التاريخ، فمشكلات الشذوذ الجنسي وزواج المثليين وتفتت الأسرة ومرض الإيدز والانتحار وإدمان المخدرات وانتشار العنف، ظهرت منذ هذا التاريخ، وبسبب انتشار الفلسفات المادية والنفعية ظهرت أزمة المعنى، التي تهدد وجود المجتمعات الأوروبية ذاتها، فلم تعد هناك غائية "teleology" لوجود الإنسان ولا هدف يسعى إليه، فهو جاء بالصدفة أو أنه خلق وتركه خالقه ليسير وفق قوانين المادة، التي هو جزء منها مثله مثل الساعة التي صنعها صاحبها وتركها تعمل بذاتها.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، هو لماذا يترك العقل الغربي ذاته لتتقاذفه مقولات العدمية والهدم؟ قد يرجع ذلك إلى غرور العقل الغربي وعنصريته واعتزازه بتراكمه المعرفي ومنجزاته العلمية، ففلاسفة الغرب يبحثون عن الحق في الطريق الخطأ، (وكان هذا هو جوهر الحداثة) وحين لم يجدوا ضالتهم في هذا الطريق رفضوا الحق الذي طالما نشدوه.
وهذا هو جوهر ما بعد الحداثة، حيث تدعو إلى الفلسفات الهدمية والعدمية التي تزيح الإنسان وتزيد من سيطرة المادة / الغريزة، على عقله وسيكولوجيته، فأصبح الطعام مادة وظيفية وأصبح الجنس حالة استعمالية، وتم تشييء الإنسان، فأصبح هو مراد تلك الفلسفات وتحطمت الأسرة وانفكت أواصر المجتمع وانعزل عن الآخر وجدانياً، واختفت القيم من الحياة العامة وأصبحت السيطرة للإعلام والدولة العلمانية الشاملة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.