أحمد حسين الأعجم - جازان يكاد يتفق معظم ذوي الاختصاص والخبرة والرّأي على أن مشروع التّطوير الكبير الّذي بدأت وزارة التربية والتّعليم في تنفيذه منذ فترة قد جاء في وقته، في ظل ثورة المعلومات والاتصالات التي أحالت العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة. إلا أن هذا الاتّفاق لايعني خلو المشروع من السّلبيات، وهي سلبيّات لا تقلّل من قيمة وأهميّة المشروع، بل بالعكس تدعمه وتقوّيه لأنّه ما زال بالإمكان تلافيها ومعالجتها، خاصّة أن المشروع يحتوي على استراتيجيات مرنة تُُسهّل عمليّة التّعديل والإضافات. وهنا سأتحدّث عن إحدى السلبيات التي لاحظتها من خلال قراءتي عن المشروع وحضوري لبعض الدورات التدريبية والتعريفية بالمشروع. وهذه السلبيّة هي تركيز المشروع على جانب التّعليم وإغفال جانب التّربية تماماً. فالملاحظ أن أهم الاستراتيجيات الّتي يركّز المشروع عليها هي تطوير المناهج وتدريب المعلّمين ودمج التّقنية في التعليم لتحويل الطّالب إلى منتج للمعرفة وليس فقط مستقبلا لها! دون التعرض أو حتى الإشارة للجوانب التربوية الّتي ينبغي أن يتحلّى بها الطالب ليتمكن من التفاعل والتناغم مع بقيّة مفردات المشروع. هذا مع العلم أن ضعف الجانب التّربوي هو من أكبر وأخطر المشاكل الّتي يعاني منها الواقع التّعليمي في المملكة. والشّواهد كثيرة فمن كثرة الغياب والتأخر إلى المضاربات الجماعيّة إلى الاعتداء على المعلّمين والعبث بمحتويات المدارس وأخيراً ما حدث مؤخرا في إحدى مناطق المملكة وهو قتل أحد الطّلاب لزميله بسبع رصاصات (داخل الفصل). تخيلوا معي داخل الفصل! وكل هذا بسبب ضعف الأنظمة والبرامج التربوية والسلوكيّة الموجّهة للطّلاب الّتي في معظمها تعهّدات بعدم العودة. وأيضاً انعدام الاستراتيجيّات المخصّصة للتّعامل ومعالجة هذه السّلوكيّات، وأُدلّل على ذلك بما يحدث في الأسبوع التّمهيدي الّذي يُنفّذ لاستقبال طلاب الصّف الأوّل الابتدائي. فبدلاً من استغلال هذا الأسبوع لتعريف الطّلاب بأنظمة المدرسة وأهمية المحافظة على محتوياتها باعتبارها وُجدت من أجلهم. يمضي هذا الأسبوع في مسابقات رياضيّة وتوزيع العصائر والبسكويت على الطّلاب! ولعل من الأمور المؤسفة هنا أن معظم المشرفين التربويين سواء التّابعون للوزارة أو لإدارات التّعليم والّذين يتولّون تقديم الدورات التدريبية والتعريفية بمشروع التّطوير يسهبون كثيراً في التّنظير البعيد عن واقع الميدان. على سبيل المثال يركز معظمهم على ضرب الأمثلة بالدّول المتقدمة في المجال التّعليمي كاليابان والولايات المتحدة وبريطانيا، ناسين أو (متناسين) أن ما حقّقته هذه الدّول من تقدّم علمي يرتكز أساساً على منظومة تربوية وسلوكية متكاملة تجعل الطّالب له حقوق وعليه واجبات. وهو ما يجعل التربية أهم مرتكزات العملية التعليمية. وهو ما نفتقده – مع الأسف – هنا في نظامنا التّعليمي. إنني كمعلّم أولاً وولي أمر ثانياً سعيد جدّاً بهذا المشروع الرّائد، وأعتبره بإذن الله تعالى جسراً إلى المستقبل لوطننا الغالي، لكنّني أتمنّى أن تُضاف عليه استراتيجيّات مخصّصة للجانب التربوي، ليسير التطوير بشكل متواز بين الجانبين التربوي والتعليمي، ليتحقّق في النهاية مُسمى الوزارة كوزارة للتربية والتعليم، وليس للتعليم فقط! بل يجب ملاحظة أن التربية قبل التعليم.