حضرت الاختبارات وحضر الخوف والقلق، وكالعادة سيعيش الطلاب والطالبات لحظات الترقب والانتظار بأعين تنظر للنجاح وللمعدل التراكمي الذي يؤهلهم لحجز مقعد في إحدى الجامعات. آمال وتطلعات مستقبلية سيسيطر عليهما شعور القلق والخوف، ترجمتها كلمات الطالب محمد العواد الذي يدرس بالصف الثالث ثانوي، والذي يقول "همك مما أهمك"، ويتابع "أخشى على مستقبلي من الضياع جراء المعدل التراكمي والقدرات والتحصيلي، فبالرغم من كوني طالبا مجتهدا وحصلت على الدرجات العالية في الصف الأول الثانوي، إلا أن جهلي بالمعدل التراكمي في السنة الماضية بات كالليل المظلم الذي ما زال يطاردني هذه السنة، وسيتسبب في عدم دخولي الجامعة التي أرغب بها، فالمعدل التراكمي أصبح الحمل الثقيل الذي أحمله فوق أكتافي". غموض المستقبل محمد العواد وغيره من الطلاب والطالبات باتوا يخشون على مستقبلهم المرهون بالمعدلات التراكمية، وعلى الرغم من كون هذا النظام قد فعّل منذ أعوام سابقة إلا أن عددا من الأسر ما زالت تجهله. تقول الطالبة نوف فياض: لم أكن على علم بأن المعدل التراكمي سيحسب بهذه الطريقة وإن ما أحصل عليه في الصف الثاني ثانوي من الدرجات لا يستفاد سوى من نصف الدرجات،" وتتابع "لو كنت أعلم عن هذه الآلية لاتخذت الحيطة منذ البداية والآن لا يوجد لدي أية خيارات سوى متابعة الدراسة على الرغم من علمي بالنتيجة مسبقا، بعد أن حصلت على معدل 88% في الصف الثاني ثانوي، ولن استفيد في التراكمي سوى من نصف المعدل 44%". ويقول حاتم دغيم طالب في الصف الثاني ثانوي استفدت كثيرا من تجربة أخي الأكبر والذي فجع بمعدله التراكمي، وتابع "عندما كنت في الصف الأول الثانوي سعيت كثيرا لمعرفة آلية المعدل التراكمي حتى لا يصبح عائقا في طريقي للنجاح، فكثيرة هي القصص التي سمعتها من طلاب في المرحلة الثانوية وهم يلومون أنفسهم بعدم إلمامهم في آلية المعدل التراكمي، مما أدى إلى تخرجهم من الثانوية بنسب لا تؤهلهم لدخول الجامعة فكثيرا من الجامعات تشترط نسبا محددة لدخولها". ويضيف الطالب صالح الدغمان "عندما علمت بالمعدل الذي حصلت عليه في الثاني ثانوي وعن النسبة الضعيفة حاولت جاهدا أن أعوض نتيجتي ولكن للأسف بطرق غير مشروعة (الغش) ندمت عليها فيما بعد". توتر وحرص من جهتها، أكدت رئيسة قسم الاختبارات والقبول بتعليم القريات جميلة المشيعل أن قلق الاختبارات يبدأ من الأسبوعين اللذين يسبقان الاختبارات وخاصة لطلبة وطالبات الصفين الثاني والثالث ثانوي، حرصا منهم للحصول على مجموع ومعدل تراكمي يضمن لهم مستقبل الدراسة في الجامعة، وتضيف المشيعل "السنتان الثانية والثالثة من المرحلة الثانوية تدمجان كسنة واحدة من حيث حساب المعدل، وذلك بحساب 50% من معدل الصف الثاني ثانوي، و50% من معدل الصف الثالث ثانوي، ليشكلا في شهادة الثانوية العامة معدلا تراكميا واحدا هو المعدل الذي يقدم للجامعات،" وتضيف: القلق الناجم من الاختبارات يتصعد عند طلبة وطالبات الثانوية العامة، لما يعقبه من اختبارات تحصيلية وقدرات تشترك مع المعدل النهائي في تحديد مصير المستقبل الدراسي". ودعت المشيعل إلى ضرورة ضبط النفس سواء من قبل الطلاب أو أولياء الأمور لأن الأسبوعين المقبلين سيشهدان قلقا وتوترا عند أبنائنا وبناتنا. توعية أسرية من جانبها قالت موظفة قسم الإعلام التربوي بتعليم القريات علياء الرويلي: نكاد لا نجافي الحقيقة إذا ما ذكرنا بأن إلمام الطالب وأسرته بلائحة وأنظمة الاختبارات مهم جدا، ولا بد أن يبصر بها الطالب وولي أمره خاصة في كيفية احتساب المعدلات التراكمية، وتضيف "من المفجع أن ندرك أنه ما زالت بعض الأسر تجهل الآليات التي تحدد مستقبل أبنائها ونجدهم يتهاونون في متابعتهم ولا يفيقون من جهلهم بها إلا بعد ظهور نتائج الثاني ثانوي". وتقول الرويلي "على الرغم من مرور سنوات على آلية المعدل التراكمي والتعامل مع عدد الحصص الأسبوعية مضروبة بعدد الدرجات التي حصل عليها في المادة ويتفاوت عدد الحصص في كل مادة وأخرى، إلا أن أولياء الأمور بحاجة إلى اجتماعات متتالية ولقاءات وورش عن هذه الآلية حتى يتمكنوا من التعامل معها بالشكل المطلوب بتوجيه أبنائهم ومتابعتهم". أعراض فسيولوجية إلى ذلك، أكدت أخصائية الطب النفسي الدكتورة هدى الحسن في حديثها إلى "الوطن" بأن نيران القلق والتوتر النفسي تلقي بمؤثراتها على صحة الطالب خاصة وقت الاختبارات، وتضيف الحسن قائلة "من تلك التوترات النفسية تظهر لنا الأعراض الفسيولوجية ومنها (القيء، الإسهال، كثرة التبول والتعرق، وكذلك التلعثم في الكلمات والزيادة في دقات القلب وسرعة التنفس، ويظهر كذلك اضطراب في الغدد والتفكير والجهاز العصبي، والضعف في الذاكرة مما يجعل الطالب لا يتذكر ولا يستطيع استرجاع ما تم حفظه للاختبار بالتالي تتبعثر المعلومات ويكون غير قادر على التركيز". وتنصح الحسين الطلاب والطالبات في هذه الفترة بالهدوء والتركيز بقولها "هناك عدة أمور على الطلاب وأسرهم إدراكها والعمل بها في هذه الأوقات ومن أهمها: الاسترخاء الكافي قبل وقت الاختبار خاصة في الليل، فالنوم المبكر وعدم السهر والابتعاد عن المنبهات من الأمور الواجب مراعاتها، فالذاكرة ما هي إلا وسيلة لتخزين المعلومات ولكي تعلن جاهزيتها في حال الحاجة إليها لا بد من فترة كافية لراحتها وهذا لا يكون إلا من خلال النوم المبكر، وهذا الأخير مهم جدا لبدن قوي وسليم". "التراكمي" ودور البطولة وفي ذات السياق أكدت أخصائية الإرشاد النفسي من جامعة الجوف مريم نزال على أهمية التهيئة النفسية لكل طالب وطالبة لاسيما تلاميذ المرحلة الثانوية خصوصا الصفين الثاني والثالث ثانوي، والذين يعتبرون أن هذه المرحلة مصيرية في تحديد مستقبلهم، وقالت "بلاشك المعدل التراكمي يلعب دور البطولة في الزيادة من نسبة القلق والتوتر" وتضيف العنزي "التوترات النفسية والتي تتزامن مع فترة الاختبارات لاشك بأن لها تأثيراتها وإفرازاتها السلبية على بعض الطلاب وقد يترجمونها إلى سلوكيات غير سوية ومنها ظاهرة التجمعات بعد نهاية الاختبار كذلك السرعة الزائدة عن الحد، وتستطرد قائلة "التوترات النفسية والقلق والانفعالات التي تسبق فترة الاختبارات تستثيرها مواقف غير معلنة للاختبار والظروف المحيطة بها وقد يتطور قلق الاختبار إلى إشكاليات نفسية وانفعالية فردية من لدن بعض الطلاب يصعب على الأهل السيطرة عليها". إرشاد نفسي وتؤكد النزال على أهمية الإرشاد النفسي من قبل المؤسسات التربوية والإعلامية للحد من رهبة الاختبارات وطردها من نفوس أبنائنا والتي قد تؤدي إلى تدني المستوى التعليمي لهم بشكل أو بآخر. وبسؤالها عن أهم المثيرات والمحفزات لهذا القلق فأجابت بقولها: لا يخرج القلق لدى الطالب في وقت الاختبار عن أمرين، فإما أن يكون الطالب مجتهدا أو أن يكون غير ذلك أي غير مبال منذ بداية العام". وعن الفرق بين القلق في كلتا الحالتين قالت: في النوع الأول وهو الطالب المجتهد فيكون محفزه الأول والأخير للقلق في الاختبار خوفه على التحصيل الدراسي وعلى نسبته وتفوقه،" وتتابع "وعلى العكس من ذلك تماما الطالب غير المجتهد أو الكسول يكون همه الوحيد والذي يثير القلق عنده هو فقد النجاح دونما إعارة النسبة أو التفوق أي اهتمام". وعن النصيحة التي تقدمها لكلا النوعين فتقول للطالب المتفوق "كن متوكلا على الله ولتكن ثقتك بنفسك عالية، ولا داعي للقلق والذي قد يغتال فرصة التفوق لديك،" وللطالب الكسول أقول: "أفق من اللامبالاة والإهمال فالفرصة ما زالت قائمة أمامك". دور الأسرة في المقابل أكدت أخصائية التربية الأسرية مسفرة الغامدي على أهمية دور الأسرة في التهيئة للاختبارات خاصة في المرحلة الثانوية فيما يختص بالمعدلات التراكمية للثاني والثالث الثانوي قائلة: للأهل دور أساسي ومهم جدا فتفوق الأبناء لا يأتي من جهد يتيم بل لا بد من تضافر جميع الأطراف"، وتتابع "وللتشجيع والثناء سحره في التفوق خاصة مع طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، فهم في أوج مرحلة المراهقة، والتشجيع والتعزيز يثيران فيهم الدافعية ويحفزانهم نحو التقدم والنجاح، فالكلمات الطيبة التي تنطلق من الأب والأم أو من في مقامهما تلعب دورا إيجابيا في نفسية الطالب والطالبة، وهذا ما يسمى بالإيحاء الإيجابي كأن تنادي الأم ولدها (المتميز، المثابر، المجتهد،...)". تحذيرات وتحذر الغامدي من القلق والتوتر الناجم من لدن الأهل بقولها: بعض الأسر للأسف وكما يقال (تزيد الطين بِلة) فتزيد من حدة القلق والتوتر لدى الطلاب فنجد الطالب وكأنه محاصر من كل جانب ولا يجد مفرا من الضغوطات فبالإضافة على مخاوفه المستقبلية من الاختبارات، تطارده ثقافة اللوم من قبل الأسرة سواء من الأب أو من الأم، وكأن فترة الاختبارات هي نهاية العالم، وبعض من الأسر لا تعير أدنى اهتمام لهذه المرحلة فتكون الأم منغمسة في زياراتها للصويحبات والأب غير مبال" وفي ختام حديثها قالت الغامدي "دائما ندعو للوسطية والاعتدال في كل الأمور وبالتوفيق لطلابنا وطالباتنا".