الصورة المعتمة تسببت في تكوين حالة نمطية غير صحيحة عن أن المرأة في نجد لم يكن لها دور أو أي تأثير في الحياة الاجتماعية، في حين أنها كانت تشتري وتبيع وتتاجر دون أن ينظر إليها المجتمع باستنكار وتدافع عن حقوقها المادية وتشارك الرجل في الحقل والضيافة. لم تحظ المرأة النجدية بالكتابة لإبراز دورها الفعال في تنمية وبناء وتطور المجتمعات ومدى فعاليتها، و هذا ما حاولت أن تبرزه الدكتورة دلال الحربي في كتابها "المرأة في نجد وضعها ودورها" الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز. مقدمة دراسة مطولة تتناول وضع المرأة في منطقة نجد في الفترة التي تبدأ من سنة "1200ه/1786م" وتنتهي سنة "1351ه/1932م". تبين الدراسة دور المرأة في الأسرة والمجتمع وإسهامها وعملها في البيت وخارجه، ونظرة الرجل إليها وموقفه منها، وتتخللها جملة من العادات والتقاليد والصفات لسكان نجد بدواً وحضراً بصفة عامة، وما يختص منها بالنساء بصفة خاصة. وترجع الدكتورة دلال سبب تأليفها الكتاب إلى أن المرأة في نجد تكاد تكون المعلومات عنها شحيحة، لقلة ما ورد عنها في المصادر المتداولة، مبينة أن الصورة المعتمة تسببت في تكوين فكرة نمطية غير صحيحة، فبحثت من خلال تتبع المرأة في نجد من خلال المجتمع في القرن الثالث عشر الهجري وإسهام المرأة في الحياة العامة. تقليب صفحات الكتاب يظهر أن المرأة البدوية تقابل الرجال وكانت المرأة المتزوجة في ظل الأعراف البدوية تمارس دور الضيافة في حدود الحشمة والأدب في غياب زوجها فتحرص ألا تكون أقل من زوجها حفاوة بالضيف وتتولى استقبال الضيوف في المكان المخصص وتقدم لهم واجب الضيافة، ولم يقتصر كرم المرأة النجدية على ذلك بل تعدى إلى إكرام الضيوف العابرين وتسارع بالخروج إليهم من خيمتها وفي يدها إناء من حليب النوق الطازج أو اللبن لتقدمه دليلاً على الترحيب. ولفتت الحربي في كتابها إلى أن الملك عبدالعزيز راعى المرأة وحرمتها، حيث نبه أنصاره بعد فتح الرياض وإعلانها مبايعته بأن لا يسيئوا إلى النساء ولو أقبلن بالشر فإن لهن حرمات يجب أن تصان وأعراضاً يجب ألا تستباح. وبينت أن الملك عبدالعزيز في حروبه كان يضع النساء نصب عينيه وأحيانا يضطر إلى تغيير خططه العسكرية إذا علم أن العملية التي سينفذها قد تؤدي إلي إيذاء النساء، كما أظهر تعاملاً راقياً مع أعدائه وخص نساءهم بكل تقدير وعناية فعقب سقوط حائل 1921م حرص على توثيق الصلة بينه وآل رشيد فأولى نساءهم عنايته، مشيرة إلى مشاهير كُنوا بأخواتهم اعتزازاً بهن، إذ كان الملك عبدالعزيز يردد في الحرب "أنا اخو نورة"، أما في حالات الغضب فيقول الملك عبدالعزيز" أنا أخو الأنور المعزي". وعن مكانة المرأة في المجتمع النجدي قالت الدراسة: إنها كانت التالية بعد الرجل تؤدي أدوارها التي تكلف بها وفقاً لوضعها الأسري، وإن المرأة في نجد تتمتع بمكانة عالية فلم يكن أحد يجرؤ على مضايقتها ولم يمارس ضدها أي عمل من أعمال العنف. ويمضي الكتاب الذي يشكل إضافة للمكتبة الوطنية من حيث هو ذاكرة للمجتمع أن للمرأة النجدية من خلال ما عرضته المؤلفة من وثائق وجود واضح في مجتمعها فهي تشتري وتبيع وتتاجر دون أن ينظر إليها المجتمع نظرة استنكار وتدافع عن حقوقها المادية وساهمت في شتى مجالات التنمية حيث كانت تزرع وتحصد وتبيع وتشارك الرجل في الحقل حيث كان الرجل يتقدم في الحقول لحصاد الثمار والمرأة خلفه تجمع المحصول أكواماً وتقوم بمساعدة زوجها فإذا كان راعياً للإبل خرجت بدلاً عنه في أيام ليرتاح وإذا كان نجاراً ساعدته في تكسير الخشب وغيرهما من المهن، ومارست المرأة النجدية التجارة بصورها البسيطة وهي بيع المنتجات، كما أن بعض نساء نجد عملن طبيبات وتجاوزن مسألة الحمل والولادة إلى خلع الأضراس ومن أشهرهن منيرة الدكان " أم عبيد" وهي من طبيبات الرياض في القرن العشرين الميلادي تعلمت الطب على يدي والدها وكانت تعالج النساء والأطفال والرجال ووصلت شهرتها إلى خارج الرياض. وتوصلت الدراسة إلى أن المرأة النجدية عاشت في ظل مجتمع متسامح كفل لها الحقوق ما أدى إلى منحها القدرة على المشاركة المدنية إذ كانت تشارك في الحروب وتسهم في الدفاع عن قومها وتشيد بالشجعان وتسعى إلى البحث عن رزقها في حال عدم وجود عائل لها معتمدة على نفسها دون أن يعارضها المجتمع.