يتوجه الناخبون في تونس مهد الربيع العربي إلى صناديق الاقتراع، الأحد المقبل، لانتخاب مجلس وطني تأسيسي في خطوة تاريخية عقب تسعة أشهر من الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في يناير الماضي. وكان إقدام البائع المتجول محمد البوعزيزي على إحراق نفسه بمدينة سيدي بوزيد وسط البلاد في 17 ديسمبر الماضي بمثابة الشرارة التي أطلقت انتفاضة شعبية لم يتخيل أحد أن تؤدي بعد 28 يوماً إلى إسقاط النظام. وبعد مرحلة موقتة تخللتها إضرابات واعتصامات وحلقات من العنف، سيجني التونسيون أولى ثمرات ثورتهم من خلال انتخاب مجلس وطني تأسيسي من 217 عضواً مهمته الأساسية وضع دستور جديد هو الثاني في تاريخ تونس بعد دستور 1959. كما سيتولى المجلس تحديد السلطات التنفيذية الجديدة ودور التشريع لحين إجراء انتخابات عامة في ضوء الدستور الجديد. وتنطوي هذه الانتخابات على رهان كبير وتحد صعب وسط مشهد سياسي متغير ومعقد، إذ سيترتب على 7,3 ملايين ناخب الاختيار من بين 1500 قائمة مكونة من أحزاب ومستقلين يرفع جميعهم شعارات الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. ولأول مرة في تونس تجري الانتخابات بإشراف هيئة عليا مستقلة للانتخابات عوضا عن وزارة الداخلية المتهمة بتزوير الانتخابات السابقة. وتشير معظم التوقعات إلى حصول حزب النهضة الإسلامي الذي كان محظورا لفترة طويلة على نصيب الأسد بحسب استطلاعات الرأي. وأعلن الحزب الذي يثير مخاوف الكثيرين أنه معتدل ويدعو إلى حكومة ائتلاف موسعة "تضم كافة التونسيين". ولتجميل صورته أمام الناخبين حرص الحزب على التنديد بأحداث العنف التي جرت مؤخرا واتهم فيها مسلمون متشددون، مؤكدا رفضه لكافة أشكال العنف. وبالمقابل يقدم "الحزب الديموقراطي التقدمي" - وسط يسار - بزعامة أحمد نجيب الشابي الذي عرف بمعارضته الشديدة لنظام بن علي، نفسه باعتباره البديل الأساسي للنهضة، ويتبنى ذات الطرح "حزب التكتل من أجل العمل والحريات" القريب من الحزب الاشتراكي الفرنسي بزعامة الطبيب مصطفى بن جعفر الذي نال شعبية واسعة وسط المواطنين لعدم مشاركته في أول حكومة شكلت بعد الثورة، احتجاجا على وجود بعض رموز نظام بن علي. وفي المعسكر اليساري يبرز أيضا حزب التجديد - الشيوعي سابقا - الذي شكل ائتلاف "القطب الديموقراطي الحداثي" ضم خمسة تشكيلات حول مشروع علماني. ويرى بعض المراقبين أن وجود عدد كبير من قوائم المستقلين يعكس ارتيابا من الأحزاب التي يتهمونها بالسعي للاستفادة من الثورة وجني ثمارها في حين لم يكن لها دور بارز فيها.