على مدى 38 عاماً، غابت السينما المصرية عن توثيق حرب السادس من أكتوبر، وخلت مكتبة أفلامها من أفلام وثائقية تحكي قصة تلك الحرب، وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام الإسرائيليين للترويج لأوهام "الثغرة" ، حتى إن اللورد ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق ذهب، أثناء محاضرة له بالجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2009، لما هو أبعد زاعماً أن "حرب أكتوبر 1973 كانت هزيمة لمصر". والعجيب أن غياب التوثيق السينمائي المصري لحرب أكتوبر، قوبل بسلسلة من الأفلام الوثائقية الإسرائيلية التي فضحت أكذوبة الثغرة، لكن السلطات الإسرائيلية حجبت عنها النور، ومن بينها الفيلم الوثائقي "معركة المزرعة الصينية.. القصة المسكوت عنها وخواطر المحاربين"، وهو الفيلم الذي أعده مخرج الأفلام الوثائقية الإسرائيلي نير طويف. وحسب ما ورد في هذا الفيلم فإن الجيش المصري لقن الجيش الإسرائيلي وقائد اللواء "143" إرئيل شارون هزيمة قاسية في معارك الدبابات الكبرى، مشيراً إلى أن "الفرقة 211 المصرية" كبدت قوات شارون خسائر ضخمة في الأسلحة التي زودت بها الولاياتالمتحدة الأميركية إسرائيل، ومن بينها الأسلحة المضادة للدبابات"، وكشف الفيلم فضيحة إصدار القادة الإسرائيليين أوامرهم لجنودهم بالانسحاب، وترك زملائهم من الجنود الجرحى وراءهم. من جهته، يرى وليد الدشلوطي، مؤلف كتاب "أكتوبر فى السينما المصرية"، أن "غياب التوثيق السينمائي لحرب السادس من أكتوبر، بصورة عامة، وللثغرة بصورة خاصة، يمنح الإسرائيليين فرصة عمرهم للترويج لأكاذيبهم، والسماح بظهورالأفلام التي تتفق مع طبيعة الأوهام التي يريدون تصنيعها، وهو ما يتطلب من القائمين على السينما المصرية أن تكون لديهم قناعة بأهمية التوثيق السينمائي لتلك الحرب، لكن للأسف لم يظهر فيلم سينمائي مصري أو عربي كبير يجسد تلك الملحمة من البداية وحتى النهاية". ويقول "اعتمد منتجو هذه الأفلام على كونها أفلاما تجارية تعتمد على عنصر التشويق للمشاهد، فمع الأسف نجد أن صانعي فيلم "بدور"، على سبيل المثال، لم يجدوا نماذج بطولية للملحمة يقدمونها لنا سوى نموذج عامل الصرف الصحي، والنشالة المتسولة، والراقصات، بالرغم من وجود نماذج وطنية كانت تستحق الإشادة بها في هذا الفيلم، لكن هذا لم يحدث". ويضيف الدشلوطي "كانت هناك بعض الجهود لإنجاز فيلم سينمائي كبير يتناول حرب أكتوبر، وكان من المفترض أن يكتبه السيناريست الراحل أسامة أنورعكاشة، ولكن بعد حماس إعلامي بدا الأمر، فى النهاية، كأنه مجرد فرقعة إعلامية". ويرى الناقد السينمائي محمد عبد الفتاح أن "السينما المصرية لا ترقى إلي مستوى الأحداث، ولا تعبر عما في داخل الشعب، ولا عن حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي، وطوال تاريخها السينمائي بالتحديد في الأفلام التي قدمتها عن الحرب بين مصر وإسرائيل لم تقدم رؤية حقيقية، ولم تقدم السينما المصرية رصداً حقيقياً لحرب أكتوبر". وتؤكد الفنانة سميرة أحمد أنه "لم يظهر حتى الآن فيلم يروي وينقل بصدق الانتصارالعظيم الذي حققه الجيش المصري فى حرب 1973 على العدو الصهيوني"، مشيرة إلى أن "الشعب المصري وكذلك العربي يتمنيان رؤية الانتصارالذي أعاد الكرامة والعزة للأمة العربية على شاشة السينما، غير أن هذه الأمنية للأسف لم تتحقق حتى الآن نظرا لضخامة وعظمة الحدث". وتضيف إن "السينما المصرية قدمت عدة أفلام عن حرب أكتوبر المجيدة، وأبرزها فيلم "الرصاصة لا تزال فى جيبي"، ولكنها لم ترض طموحات الشعب المصري، فرغم المجهود الكبير، والوطنية التي تحلى بها صناع هذه الأفلام، إلا أن حرب أكتوبر تستحق منا الأفضل، خاصة أن البطولة لم تقتصر على الجيش، بل كانت هناك بطولة لا تقل عظمة صنعها الشعب المصري الذي رفض الهزيمة عقب نكسة 1967، ووقف بجانب قواته المسلحة، ووفر كل الدعم والمساندة إلى أن تحقق النصر، وهو ما لم نره على الشاشة". وأشارت سميرة إلى أن هناك جهات إنتاجية عديدة تتمنى صناعة فيلم يليق بالانتصار، كما أن هناك نخبة من الفنانين الذين يتمتعون بحس وطني يرغبون في المشاركة"، موضحة أن "الذي ينقص خروج هذا المشروع الوطني هو غياب الكتّاب المنوط بهم رصد الأحداث بحرفية شديدة، ورسم الإطار الذي يضم ملحمة الشعب والجيش منذ الهزيمة وحتى الانتصار واستعادة الكرامة والأرض". ويقول الكاتب الصحفي عبد المنعم سعيد إن "الثغرة شكلت تدريجيا عبئا علي القوات الإسرائيلية، ولم تحقق أي مردود إيجابي على توازن القوى الاستراتيجي الذي أنتجته الحرب، بل يمكن القول إنها كادت تؤدي إلي فشل استراتيجي فادح لإسرائيل إذا ما استؤنفت المعارك، فقد فرض وجود هذه القوات في الغرب على القيادة الإسرائيلية ضرورة تأمينها من خلال الاستيلاء على مساحة أوسع، والدفع بأعداد متزايدة من القوات إلي غرب القناة".