الرواية التي يسوقها الفنان السوداني عوض أبو صلاح عن علاقته بقصيدة الراحل غازي القصيبي "لا تهيئ كفني " تبدو علاقة حب قديمة حين قرأها للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة حين كان يخرج ديوان القصيبي الذي ضم القصيدة. يقول ابو صلاح ل "الوطن": كنت على اتصال مع الشاعر للتنسيق بشأن الغلاف وشكل الصفحات، وظلت صور القصيدة التي تمثل شموخ الإنسان العربي وتحديه رغم الإحباط الذي يحيط به، ولعلها قصيدة إنشادية أكثر منها قصيدة تأمل، لذلك تخيلت شاعرها في عكاظ على غرار الشنفرى وامريء القيس، وهذه الصورة انعكست في اللوحة، وأكدت على المنحى الحضاري الذي أراده الأمير خالد الفيصل من بعث الروح في سوق عكاظ، فهو يمثل إلى جانب التاريخ العريق، العمق الحضاري والذاكرة الثقافية للأمة. لكن اللوحة لم تكن بهذا المعنى كلاسيكية على غرار القصيدة؟ طبعا من العبث أن تعود لتصور تشكيليا النمط الشعري نفسه، في هذه الحال الفنان لا يضيف شيئا ذا أهمية، لكن ثمة شيئا مهما في القصيدة أدى إلى تجسيدها تجريديا، فهي قصيدة تكاد تكوم مصورة، وهذا ساعدني على استيلاد المعاني العميقة لها وتجريدها، فجاءت اللوحة معتقة باللون البني المحروق والمنمنمات الإسلامية لتعطي الإحساس بالقدم. ربما على اختلاف ماهي عليه لوحاتك عموما والتي نلحظ فيها حضوراللون الحار بصراحته الأفريقية ؟ البني دائما حاضرفي أعمالي رغم صحة ما تقوله عن حضورالمناخ السوداني بطبيعته المشمسة وألوانه الحارة، والبني أيضا هو من نفس المناخ لعله يمثل الجانب الطفولي في أعمالي. والدي كان من أكثر شعراء الأغنية شهرة في السودان وجنوب مصر، ويعتبر رمزا سودانيا في حين أن اثنين من أشقائي هم فنانون تشكيليون، نشأت نشأة فنية في بيت يهتم بالفن عموما، لكني كنت أستشعر من صغري أنني فنان تشكيلي رغم تأثري بأخي الذي يكبرني. لا تخلو معظم أعمالك من العنصرالإنساني، رغم ما يمثله حضورالإنسان من عبء على التجريد، أو بالأحرى صعوبة تجريده، لكن أعمالك عادة لا تخلومن هذا العنصر؟ صحيح أعمالي تحتفي بالعنصرالإنساني، وحضوره ككائن ممزق ومتوارٍ ومرهق، وهذا يعود إلى أن الفنان يتوجب عليه أن يهتم بالقضايا الإنسانية الكبرى،فالفنان يتحمل مسؤولية تجاه الإنسانية. قد تكون هذه مسألة شائكة في فلسفة الفنون الجميلة، وهي طرحت على بساط البحث منذ نهاية القرن الثامن عشر، وتجلت عند كانت حين اعتبر أن الفن نوع من الطاقة الفائضة، أو هو نوع من اللعب وأن الفن يتخلى عن جمالياته بقدرما يقترب من الفكر؟ أنا أؤمن أن الفنان لا يستطيع التخلي عن دوافعه الداخليه، فالفن لا يمكنه إلا أن يكون نتاج نزعة فردية داخلية وكل داخل إنساني هو إنساني بالضرورة، ولذلك أحد مظاهر تجليات الفن التشكيلي كما تلاحظ في مسابقة سوق عكاظ هو المزج بين الشعر والتشكيل، وهذا لا يتحقق مالم يكن كل منهما اختزالا للواقع، وماذا يعني الواقع غير أن في كل منا عناصركامنة من خلال تجربته الحياتية وتكمن المفارقة في اعتساف هذه التجربة وتصويرها واقعيا، أوتجريدها من تفاصيلها الهشة والعابرة، والإبقاء على الكليات وهذا ما نسميه التجريد، الذي هو في حقيقته الكشف جماليا عن التجربة الإنسانية حيث لايمكن للفن أن يكون طاقة فائضة، أو مجرد لعب لتصريفها هناك بعد آخر هو محتوى العمل الفني، لابد أن يكون لكل عمل فني محتوى، فالفنان يثير بعمله أحاسيس معينة، ولكي يحصل المتلقي على هذه الأحاسيس لابد من أن تجذبه جمالية العمل، حتى إذا ملأ عينيه من جماله بدا يفكر بمحتواه، هذا أمر جد طبيعي، ولذلك أشك بأن يكون هناك عمل تشكيلي جمالي بالمطلق، فكل تجربة وراءها فلسفة، والفلسفة تحكم الأسلوب والتكنيك، لذلك تختلف الأساليب والتقنيات من فنان إلى آخر باختلاف حياة الفنان نفسه. على الرغم من أهمية الجائزة إلا أنها ليست أول جائزة، ماذا تقول عنها، ومن أول من بلغك بالفوز؟ أولا دعني أشكر مركز سيزان للفنون التشكيلية ومالكه الزميل مشعل العمري الذي أتاح لي الوقت لإنجاز أعمالي، فمنذ عملت في المركز صرت قادرا أكثر على الإنتاج، وأطلع أكثر على حركة الفنون التشكيلية. الجائزة مهمة جدا بالنسبة لي، وكانت سعادتي كبيرة حين اتصلت بي الفنانة علا حجازي وأبلغتني بالفوز، ولا أدري كيف حصلت على الخبر قبل الجميع. تكمن أهمية هذه الجائزة بأنها المرة الأولى في العالم العربي التي يحتفى بالفن التشكيلي بالمقدار نفسه الذي يتم فيه الاحتفاء بالشعر، فأنت تعرف أن العرب أمة شعر،وليست أمة فنون تشكيلية، لكن رؤية الأمير خالد الفيصل وهو شاعر ورسام، هي رؤية متقدمة لروح وأفق سوق عكاظ، فالثقافة العربية لم تعد ممثلة في الشعر فقط، لأنها اتسعت وأخذت أبعادا جديدة على المستويات كافة، وفكرة قصيدة ولوحة مرت بتجارب كثيرة ولكنها لم ترق إلى أن تكون مسابقة على المستوى العربي، وهذا مكمن أهميتها .