لم يعد ارتباط المنطقة الشرقية بإنتاج النفط فقط، بل ستصبح نقطة تلاق بين الحضارات والثقافات من مختلف أصقاع المعمورة. فعلى "قبة الدمام" التكوين الجيولوجي الذي شهد اكتشاف الزيت لأول مرة بالمملكة، أنشئ مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، ليساهم بدوره في الثقافة والمعرفة. هي قصة مركز طاول بشموخه وطموحاته عنان نجوم السماء، فاختلط الأمر من منهما الأعلى قامة، وأياً كانت النتيجة فإن الجميع سيكون رابحاً لأن كل ذلك سيصب في تقديم خدمات جليلة للمجتمع. المركز الذي أنشأته أرامكو السعودية ليكون مقراً لثقافة المستقبل الذي ينتظرنا، ولأن الأمر يتعلق بأرامكو فلم لا نسايرها وندخل في تفاصيل ذلك الصرح الثقافي مباشرة وهي كثيرة وغزيرة وتستحق أن نقف عندها ونمنحها ما تستحق من إبراز لدورها الريادي. الحلم كان حلم مسؤولي أرامكو السعودية إكمال رؤية المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله التي رأى من خلالها بلاده وهي تصبح مملكة عصرية متقدمة، تدفعها إلى الأمام طاقة هائلة لا تلين، ومن هنا يأتي إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي ليساهم بدوره في استمرار مسيرة التقدم والازدهار، وكما حافظ الملك المؤسس وأبناؤه من بعده على الثوابت الإسلامية والعربية الأصيلة مع مواكبة ركب التجديد والتطور، فإن المركز يسعى إلى استمرار ذلك من خلال ريادته الثقافية والمعرفية. المركز الثقافي العالمي سيعنى كذلك بدور مهم في حوار الحضارات الذي تشجعه قيادة المملكة، كما أنه سيكون عاملاً على تشجيع العمل التطوعي في المجتمع، مع الرغبة في تضمينه متحفاً ومكتبة عامة، في أمور تساعد على تعزيز التواصل مع مختلف الثقافات، وبالفعل لم يترك القائمون على أرامكو القطار إلا وهم يتوسطون مقاعده الوثيرة راكبين موجة العمل وتحويل الحلم إلى واقع حقيقي في فترة وجيزة. حجر الأساس الذي يعرف أرامكو السعودية وطريقة تعاملها مع الأفكار الخلاقة لن يعجب كثيراً من قيامها بإخراج العمل إلى النور، بعد أن تشرفت الشركة في الخامس عشر من جمادى الأولى عام 1429 الموافق العشرين من مايو عام 2008 بقيام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بوضع حجر الأساس لمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، وهنا أصبح الحلم حقيقة لا مجرد سراب بقيعة. قبة ثقافية اختار القائمون على المشروع إقامة المركز الثقافي على نفس التكوين الجيولوجي الذي عرّفه العلماء باسم "قبة الدمام" الذي شهد اكتشاف الزيت لأول مرة في المملكة قبل قرابة الثمانية عقود، فيما يشبه الرسالة على الترابط بين الماضي بأصالته والحاضر المزدهر وصولاً لمستقبل أفضل للأجيال القادمة. رغبات مشروعة ويرغب القائمون على مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في أن يكون نقطة تلاق بين الحضارات والثقافات من مختلف أصقاع المعمورة، كما توجد رغبة في تبادل الآراء ووجهات النظر وتفهمها بشكل يغذي العقل والفكر ويحفزهما بشكل حقيقي وثري، وعلى ذلك سينظم المركز العديد من البرامج والنشاطات التي ينتظر أن تكون مؤثرة مع الاعتماد على التقنيات المتطورة التي يعمل المركز على استقطابها لتكون في خدمة تلك البرامج والنشاطات. يلفت نظر الزائر إلى المركز الثقافي العناية الشاملة التي يوليها المركز بالأطفال وذلك من ضمن اهتمامات المركز المتنوعة، بالبعد عن التقليدية في التعامل مع اهتمامات الطفل وابتكار أساليب جديدة وحديثة في تنمية مدارك النشء وهو الأمر الذي أثار إعجاب كل من شاهد تلك البرامج التي تعنى بالطفل في المركز، يقول حسام الدين مدني (عالم كمبيوتر من أرامكو السعودية وحاصل على ماجستير من جامعة تكساس) "إن المهمة الطموحة لبرنامج إثراء وما يتضمنه من خطط مستقبلية قد أتاحت لي صورة موجزة عن مستقبل ابني ذي السبع سنوات، فأنا ألاحظ أنه يشارك في حوارات ونقاشات فلسفية في مقهى المركز، ويقوم بالبحث في المواد الإلكترونية الموجودة في المكتبة، كما أصبحت تثيره قضايا التراث الإسلامي والثقافات الأخرى في العالم من خلال معارض المتحف". برامج كبيرة وتميز البرنامج الثقافي لمركز الملك عبدالعزيز الذي قدم في فعاليات صيف أرامكو السعودية 2011 للعام الثاني على التوالي، بعد موسم أول في قمة النجاح تعدى فيه الزوار عتبة الربع مليون زائر، بكم كبير من التنوع وهو الأمر الذي منح الزائرين عدة خيارات أثناء التجول في أروقة المهرجان الذي أقيم على مساحة كبيرة من الأرض بالقرب من مركز التدريب الصناعي لشركة أرامكو في مدينة الظهران وذلك عبر نصب خيام كبيرة تتسع للحضور المتزايد الجمهور، واللافت في الأمر للموسم الحالي هو فكرة تنظيم الدخول عبر التذاكر المرقّمة والتي تتيح لحامليها الجلوس في نفس المقعد الذي يحمل رقم التذكرة في أي وقت شاء دون خشية فقدان مقعده في حال خروجه، وهي الثقافة الجديدة التي شهدت تجاوباً سلساً من قبل الزوار بعد أن أشادت الغالبية العظمى منهم بالفكرة مع الدعوة لاستمرارها وتعميمها مستقبلاً. وبالعودة إلى الفعاليات نجد أنها تغطي عدة مناح مهمة، فالجانب التراثي كان حاضراً بخيمة تراثية تقدم فيها الكثير من الأنشطة التي تعنى بالتراث، كما تلاقي خيمة أكاديمية برشلونة إقبالاً غير مسبوق للالتحاق ببرنامجها التدريبي، فيما تستقطب واحة العلوم رواد المعرفة والتقنية بشكل يومي، وكذلك حال خيمة الفنون المسرحية التي كانت مميزة بفعالياتها وعروضها المسرحية وتنظيمها مسابقة للطفل.