عشرون كلمة كانت كفيلة لكي يبدأ هبوب عاصفة امتدت لنحو أربعة وثلاثين عاماً، الكلمات العشرون وردت على لسان الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في خطابه الذي ألقاه بمجلس الشعب في التاسع من نوفمبر من عام 1977. فقبل أن ينهي السادات خطابه فاجأ مستمعيه قائلاً" إنني مستعد للذهاب إلى أقصى الأرض حتى إلى الكنيست نفسه لكي أتحدث إلى الإسرائيليين في عقر دارهم عن نيتنا في السلام". وكان طبيعياً أن تهبط كلمات السادات العشرون كالصاعقة على رأس من سمعها بداية من رئيس وزرائه ممدوح سالم الذي أصدر تعليماته لمكتب الرقابة على الصحف بعدم إبراز هذه العبارة في العناوين أو المقدمات، ومروراً بنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري السابق إسماعيل فهمي الذي ذهب لما هو أبعد مطالباً الصحف بحذف العبارة تماماً من نص سردها للخطاب، وانتهاءً بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أرسل له السادات طائرة أقلته من طرابلس إلى القاهرة لحضور جلسة مجلس الشعب ليعاود مغادرتها غاضباً وهو يخاطب مودعيه قائلاً" لقد وضع العمامة فوق رأسي". وما بين عاصفة السادات وعمامة عرفات واستشهاد ضابط وأربعة جنود مصريين برصاص قوات الجيش الإسرائيلي وما تبع ذلك من مطالبات القوى الشعبية والسياسية في مصر بطرد السفير الإسرائيلي ومراجعة اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل برعاية أميركية، تجد اتفاقية كامب ديفيد، التي وقعت في المنتجع الأميركي في 17 سبتمبر من عام 1978، نفسها "اتفاقية في مهب الريح"، حيث أكد المحللون السياسيون على ضرورة إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد بشكل عام، خاصة ما يتعلق بانتشار القوات المصرية على الحدود في المنطقة "ج"، وكذلك إعادة النظر كليا في سياسات الحكومة المصرية في سيناء وإعادة صياغة العلاقة مع بدو سيناء ووجود خطة عاجلة لتنمية سيناء وإعمارها. اتفاقية غير متوازنة يؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل فؤاد أن كامب ديفيد من الأسباب الرئيسية فيما يحدث في سيناء الآن، مشيراً إلى أنها "اتفاقية غير متوازنة جاءت كرد فعل لمخاوف إسرائيل من أن تجد نفسها في مواجهة مفاجأة أخرى على شاكلة مفاجأة حرب السادس من أكتوبر، وبالتالي فقد رعت الاتفاقية المخاوف الإسرائيلية على حساب مصر، وهناك ثغرات كثيرة تستدعي مراجعة الاتفاقية بما يحافظ على سلامة كلا البلدين وليس إسرائيل وحدها، وتحديداً فيما يتعلق بطبيعة التشكيلات العسكرية المصرية في سيناء، وتحديداً في المنطقة الثالثة، المعروفة بالمنطقة "ج" التي تضم الشريط الحدودي كله، بالإضافة لهضاب منطقة وسط سيناء الشهيرة، ومدينتي طابا وشرم الشيخ الإستراتيجيتين، ومدينة رفح المصرية التي تعتبر بوابة قطاع غزة. حيث تنص الاتفاقية على أنه من غير المسموح لمصر نشر قوات عسكرية، حيث تتركز في تلك المنطقة قوات شرطة، وقوات أمم متحدة فقط، على أن تكون الشرطة المدنية المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة لأداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة التي تعتبر أبرز مناطق الفراغ العسكري في سيناء، رغم أنها تضم أقل من ربع مساحة شبه الجزيرة بقليل، وكامل خط الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة". ويشير فؤاد إلى أن "تعديل الاتفاقية ليس أمراً سهلاً، ولا بد من تدخل الولاياتالمتحدة باعتبارها الضامن للاتفاقية وأن تضغط على إسرائيل لتعديلها"، مضيفاً أنه "لا بد أيضا من أن تسير مشروعات التنمية في سيناء، التي ضحى نحو 100 ألف جندي مصري بدمائهم على رمالها، جنباً إلى جنب مع خطوات تعديل الاتفاقية، وأن تكون عمليات التنمية في سيناء قوية إلى الحد الذي يضمن انتقال تكتلات بشرية إلى سيناء على اعتبار أن ذلك يمثل حماية للأمن القومي المصري". ويرى السفير محمد بسيوني، سفير مصر الأسبق في إسرائيل، أن "القوات المصرية المتواجدة في المنطقة ( أ) والممتدة من قناة السويس وحتى المضايق تكفي لحماية مصر في اتجاه الشمال الشرقي في ظل وجود 22 ألفا من القوات المصرية و230 دبابة و430 عربة مدرعة، لكن المشكلة في المنطقة (ج) الممتدة بطول الحدود". ويضيف بسيوني أن "معاهدة السلام، التي تلت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، تنص في البند الرابع من فقرتها الرابعة على أنه يجوز لأحد الطرفين طلب تعديل الترتيبات الأمنية في سيناء بشرط موافقة البلدين". إعادة انتشار الجنود ويؤكد عماد جاد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية ورئيس تحرير مختارات إسرائيلية، أن ما يحدث الآن جزء رئيسي منه نتيجة للبنود الخاصة بانتشار الجنود في سيناء"، مشيراً إلى أن "الحل يكمن في ضرورة المطالبة بإعادة انتشار القوات في المنطقة "ج" لرفع عددهم من 750 إلى 4000 جندي". ويضيف "لسنوات طويلة كانت سيناء تعيش داخل الاتفاقية، فرغم كل الوعود بتنمية هذا الجزء الحيوي من البلاد، ظلت شبه الجزيرة، مغلقة بقرارات أمنية، لم تفلح كثيرا في صد تفجيرات طابا وذهب وشرم الشيخ خلال 2006، وهو ما يستدعي تغيير نظرتنا في تنمية سيناء، وتبني مشروعات قومية تنموية هناك بما يضمن الاستفادة من ثرواتها وبما يضمن حماية الأمن القومي المصري". وهو نفس ما أكد عليه الكاتب الصحفي سعد هجرس، مضيفاً أنه "لا بد من وضع خطة عاجلة لتنمية سيناء وإعمارها بحيث يشارك فيها الشعب المصري كله". قوة قاهرة ويرى مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، اللواء عادل سليمان، وجود ضرورة ملحة لمراجعة اتفاقية كامب ديفيد بسبب ما اعتبره "مستجدات قاهرة تستلزم مراجعة تقييد انتشار القوات المصرية في سيناء". وأضاف سليمان قائلاً "أصبحت هناك ضرورة ملحة لمراجعة الملحق العسكري للمعاهدة، ففي عام 1979 لم تكن الضفة انفصلت عن قطاع غزة ولا تهريب من خلال الأنفاق"، مشيراً إلى أن "الاتفاقية تنظم آلية تعديلها، فلابد أن يكون هناك طلب رسمي للتفاوض من أجل تعديل الملحق العسكري، ويجتمع الطرفان ويتفاوضا وإذا لم يصلا للحل يلجآن للتحكيم، وقد حدثت بالفعل تعديلات على المعاهدة في عام 2005، حينما وضعت قوات حرس الحدود على الحدود مع قطاع غزة، إضافة إلى القوات العسكرية التي دخلت العريش والشيخ زويد مؤخرا". وقال "هذه المستجدات تدخل تحت بند التعديل في الاتفاقيات الدولية بسبب قوة قاهرة تبرر تجاوز نصوص معاهدات مبرمة". وتبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو 60.088 كيلو مترا مربعا، ويسكنها 380.000 نسمة، وبخلاف أهميتها العسكرية، فإن سيناء تضم أكبر مخزون على أرض مصر من الثروات المعدنية، مثل المنجنيز والنحاس، خاصة نوع "الملاكيت" الذي يتركز في منطقة سرابيط الخادم وفيران وسمرة. وبالنسبة للبترول، والذي كانت أول عملية تنقيب عنه في عام 1910، فإن سيناء تعتبر منجم البترول والغاز المصري، ففيها حقول أبو رديس، وحقل بلاعيم بحري، وسدر وعسل مطارما وفيران، وتوجد بمحاذاة خليج السويس.