خلف جرته المصنوعة من الفخار المعروفة ب"الدورق"؛ يقف عمدة زمزمي مرتدياً فوق رأسه "الغبانة" وهي عمامة تحتها "كوفية مكية"، وعلى صدره وكتفيه "السديري" الأبيض المتساوى الأطراف ذو الجيوب الثلاثة، حاملاً في يده الوعاء النحاسي الذي يشرب منه الزوار ممن يتوافدون على فعاليات مهرجان صيف أرامكو. وما بين "الحجاز" وبين "شرق المملكة"، كان الارتباط الحميم في أذهان زوار المهرجان عبر صورة العمدة الحجازي، الذي وقف في موقع فعاليات مهرجان صيف أرامكو 2011 بالظهران، يستقبل الزوار يوميا ليفيض عليهم برشفة من ماء زمزم كطريقة للتعبير عن كرم الضيافة، وإضفاء شيء من البهجة في نفوس المدعوين، والتمسك بالعادات الحجازية التي لا تنفصل عن بعضها في مختلف الأوقات، ليجعل "الزمزمي" بذلك الزي الذي يرتديه من يراه من الزوار يقف مفتخرا بتاريخه العريق الجميل. وحول أعداد زوار المهرجان، أظهرت أول من أمس إحصائية المنظمين بشركة أرامكو السعودية، أن عدد الزوار بلغ 50 ألف زائر خلال الأيام الستة الماضية التي انطلقت بها الفعاليات، حيث يبدأ الزائر والمصطاف والقادم للمنطقة الشرقية في قرية تراثية أقيمت ضمن مهرجان صيف أرامكو السعودية 2011، ذات التشكيل البيئي العمراني التسويقي، والتي تمثل صورة حقيقية لضخامة المبنى وتشعباته، والذي يمثل أنموذجاً فريداً على مستوى الجزيرة العربية من حيث التصميم المعماري. وتحت سقف واحد، يستمتع الزائر بعظم التاريخ الطويل والتراث الغني للمملكة، فيجد معنى العراقة ويستطلع بعضا من الرموز والأنشطة الأكثر شهرة في أنحاء الوطن، في فعاليات هدفت لإبراز الأصالة والتراث السعودي ورفع مستوى الوعي الجماهيري بقيمة هذا الزخم الحضاري الذي يميز المملكة وشعبها المضياف. وعبر سوق "القيصرية" الشهيرة، يدلف الزائر من خلال هذه البوابة الأولى إلى عالم التراث ليجد تراث "الأحساء" وسوقها التي تعد من أعرق وأكبر الأسواق التراثية الشعبية في منطقة الخليج العربي، حيث كانت تلك السوق وحتى سنوات قليلة مضت وجهة كبرى لسكان المناطق والمحافظات والمدن السعودية ودول الخليج، والذين يرتادونها للتسوق لتنوع البضائع التي تعرض فيها سواء المنتجة محليا أو التي يتم استيرادها، إذ تميزت السوق في الماضي بعرض منتجات الصناعات التقليدية الشعبية التي اشتهرت بها مدن وقرى الأحساء المختلفة وخصوصاً الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها المحافظة على مر العصور، مثل صناعة المشالح والعبي والدلال والأواني والأحذية الحساوية المحلية والملبوسات والمنتجات الزراعية والجلدية والأعشاب والعطارة ومحلات الصرافة لجميع العملات المحلية والعربية والأجنبية والسيوف وكذلك الخياطة بكل أنواعها. وتحفل القرية التراثية كذلك، بركن القهوة النجدية والخيمة الشعبية التي يقام بداخلها ليالي السمر، حيث يشنف الزوار أسماعهم بصوت الربابة، واقتناء بعض المصنوعات اليدوية والخشبية والخط عليها، ويضاف لها بعضا من المشغولات والمستلزمات التي تقوم الأسر المنتجة في المنطقة الشرقية بصناعتها. وفي أحد الأركان، يتواجد صانع المديد من عيدان نبات الأسل وهو نوع من النباتات ينمو عادة حول تجمعات المياه وفي المستنقعات ويكثر في جداول المياه المنتشرة في مزارع منطقة القطيف . وعملية صناعة المديد تبدأ عندما يقوم الحرفيون بجمع نبات الأسل وجزه ثم ينشره بالقرب من المستنقع ليجف ويصبح يابساً تحت أشعة الشمس لمدة تصل إلى 20 يوماً، وفي خلال تلك الفترة يتحول لون الأسل من اللون الأصفر والأخضر إلى اللون الأبيض المصفر، وبعد ذلك يتم ربطه في حزم وتحمل إلى بيت الحرفي ثم يوضع الأسل في مخازن خاصة به وفي كل يوم يخرج صانع المديد مقدارا معينا حيث يقوم بنقعه في الماء ويأخذ منه الجيد ويرمي الرديء، وفي ركن صانع المديد تظهر الآلة المستخدمة في هذه الصناعة وهي عبارة عن آلة خشب يدوية بسيطة التركيب يدخل في تركيبها الألواح الخشبية والحبال تسمى الحف وعرضها أربعة أقدام ونصف تقريبا، وتوجد على طول الآلة ثقوب كثيرة تتخللها حبال موضوعة بشكل طولي ويمكن من خلالها التحكم في تماسك المدة، ويقوم بهذا العمل شخصان، الأول هو الصانع، والثاني هو من يقوم بمساعدته، وتمتاز المدة بقوة تماسكها وقدرتها على البقاء لفترة زمنية طويلة من غير أن تبلى، وهي أكثر ما تكون صالحة للأجواء الحارة وذلك بفضل الفراغات الصغيرة التي تتخللها.