اعتبرت ثورة تحليل البصمة الوراثية والمعروفة ب"D.N.A" من الدلائل التي يعتمد عليها في مواجهة مرتكبي الجرائم، ومكنت خبراء الأدلة الجنائية من عدم إتاحة الفرصة للجناة في الابتعاد عن مسرح الجريمة، وسرعة إلقاء القبض عليهم، فأوجد تحليل الحمض النووي حلولا لفك طلاسم بعض القضايا، ووضع حلول شافية للتعرف على الجناة من خلال تحديد شخصياتهم في جرائم القتل. ومع الأحداث التي شهدتها مدينة جدة من قيام جان باغتصاب 13 فتاة قاصراً على مدى 3 أعوام في جدة وبعد إجراء تحليل الحمض النووي الذي توافقت نتيجته المخبرية لحمض "D.N.A" للمشتبه مع تحليل السائل المنوي الذي تم العثور عليه على ملابس الضحية الأخيرة والتي أثبتت هذه التحاليل تورط المشتبه به في اختطاف واغتصاب الضحية الأخيرة والبالغة من العمر 9 سنوات، استطلعت "الوطن" آراء العديد من المختصين في إمكانية الحمض النووي للكشف عن الجرائم ونسبة النتائج التي توصلت لها هذه التقنية على الصعيد الاجتماعي والقضائي والطب الشرعي والاجتماعي. الطب الشرعي يرى الاستشاري المشرف على مركز الطب الشرعي بمدينة الرياض الدكتور سعيد الغامدي أن تحليل الحمض النووي "D.N.A" عامل مهم على مستوى العالم في تحديد الجناة في الجرائم الجنائية، وقال "طريقة العمل في هذه التقنية من أنجح الطرق التي يعتمد عليها في الكشف عن مرتكبي الجريمة بمسرح الحدث، وذلك لأن هذا الحامض هو عبارة عن بصمة لا تتكرر من شخص لآخر، ولذلك يستغل هذا التفرد في البصمة الوراثية لكل إنسان لتحديد الشخص المشتبه به في جرائم القتل وهتك العرض والسرقة، من خلال الآثار التي قد يتركها في مسرح الجريمة، مثل الدم، أو الشعر، أو الحيوانات المنوية، أو اللعاب، ورماد السيجارة وغيرها إذا تم تحليل الحمض النووي بطريقة سليمة". عجز ال"D.N.A" وأكد الغامدي أن الحمض النووي لا يزال عاجزا عن كشف عن بعض الجناة مرتكبي الجرائم عن طريق تحليل العينات التي يعثر عليها بمسرح الجريمة، كجرائم القتل التي يعثر بها على جثة الضحية بعد مرور وقت طويل مما يصيب خلاياها بالتعفن هنا يصبح خبراء الحمض النووي عاجزين عن اكتشاف الجاني، لكن مقابل ذلك هناك 40 دليلا يثبت الجريمة منها "الشاهد، رسائل الجوال التي تحمل نوعا من التهديد للضحية، والإيميلات"، موضحا أن المملكة الدولة الوحيدة التي تعتمد على ما يعرف ب"قصاصي الأثر" حيث تستعين بهم الجهات الأمنية عندما يعجز الحمض النووي عن فك طلاسم بعض الجرائم ويكونون بحاجة إلى خيط للوصول للجاني ويعتبرون هؤلاء قرينة، فقصاصو الأثر عبارة عن أشخاص لديهم القدرة في معرفة الأماكن التي لجأ لها الجناة عن طريق آثار أقدامهم وآثار السيارة إلى جانب تحديد نوع السيارة التي ارتكب بها الجريمة. كوادر مؤهلة وعن الكوادر العاملة في مختبرات الأدلة الجنائية يقول المشرف على إدارة الطب الشرعي جميع العاملين من الكوادر سعودية مؤهلة، مشيرا إلى أن مركز الطب الشرعي بدأ في إقحام المرأة في العمل كطبيبة شرعية، مؤكدا أن عمل المرأة في الأدلة الجنائية لا يناسب طبيعتها لحاجة العمل للحضور الميداني والانتقال لمسرح الجريمة، فعملها في مجال المختبرات قد يكون مناسبا لها. دليل قاطع يقول المحامي والمستشار القانوني ريان عبدالرحمن مفتي: تعتبر نسبة النتائح التي يتوصل لها تحليل "D.N.A" تتجاوز 99.9% لدقتها، ولقد ساهمت هذه التقنية في سهولة الكشف على العديد من الجرائم والحقوق من خلال الطب الشرعي والأدلة الجنائية، لم يقتصر ذلك على الجرائم بل كان له دور كبير في تحديد النسب وانتماء الأطفال لأبويهم وفي معرفة بعض الجثث التي تعرضت للحوادث أو لتشوهات أو في طمس ملامحهم، موضحا أن نسبة نتائج "D.N.A" تصل إلى 100% من الصحة ولكن تضم كافة تقارير نتائج هذا التحليل إلى نسبة 99.9% لعدة اعتبارات والتي منها احتمالات الخطأ في تطبيق التحليل وليس الخطأ في صحته. وأضاف المحامي والمستشار القانوني بأن الاستفادة من هذا التحليل في العديد من القضايا والتي منها تحديد النسب وهوية المتوفى والتأكد من صحة جرائم الانتحار، وجرائم الاعتداء على النفس في حال أن وجدت أنسجة الجاني على جسم المجني عليه والتي منها القتل أو الاعتداء البدني وفي الانتحار، فإن هذا التحليل يستطيع تحديد هوية الجاني في حال أن وجدت أنسجته في ذات مسرح الجريمة وتطابقت معه. الشرع والحمض النووي ويرى الخبير الشرعي والقانوني الشيخ عيسي الغيث مثل هذه الأدلة الجديدة التي تعتبر من نوازل الاستدلالات القضائية محل بحث ودراسة لدى الجهات القضائية المختصة، ولكنها حالياً تعتبر في حكم الأدلة ولكنها ربما لا تكون قاطعة ما لم يصدر بها قرار من المرجعية القضائية أو المرجعية التشريعية المؤيدة بأمر من ولي الأمر، كما يمكن للمحكمة العليا أن ترسي ضمن مبادئها اعتبار نتائج الحمض النووي في محل الدليل القاطع ما دام علمياً يعتبر كذلك بنسبة 100%، ولكن في حالة لم يثبت علمياً ذلك ولو بلغ نسبة 99% فلا يعتبر حينها دليلاً موصلاً وكافياً. بينة تقنية وأشار عضو مجلس الشورى الدكتور فهد العنزي إلى أن موضوع تحليل الحمض النووي بين أخذ ورد فقهاء الشريعة لعدة أسباب، بأعتبار أن البصمة الوراثية ال "D.N.A" من الوسائل التقنية الحديثة التي ما زال البعض يشكك في مصداقيتها، والسبب الآخر هو أن وسائل الإثبات محددة ومنصوص عليها لذلك لا يجوز استعمال وسائل أخرى قد تصطدم مع ما قرر العمل به في الشريعة، ومن الأسباب كذلك أن هذه الوسيلة ستضعف اللجوء إلى وسائل الإثبات الشرعية الأخرى فلا يكون لهذه الوسائل قيمة في الإثبات بالرغم من أن الشريعة ألزمت الأخذ بهذه الوسائل وأكدت عليها، كما أن هذه الوسائل لم تتقرر إلا لحكمة يدركها ويلمسها علماء الشريعة والعاملون في مجال التقاضي. وأضاف العنزي: الإشكالية الأخرى التي تحيط بهذه الوسيلة مسألة تصنيفها من حيث كونها قرينة قابلة لإثبات عكسها أم إنها ترقى إلى مرتبة الدليل الصريح الذي لا يمكن دحضه. مخاطر "D.N.A" لإثبات النسب من جانبه، أكد أستاذ علم الاجتماع الجنائي الدكتور صالح الدبل أنه من المنطق أن يستفاد من البصمة الوراثية في مجالات بعيدة عن الشقاق والخلاف الاجتماعي، وأن لا يؤدي ذلك إلى تصدع كيان المجتمع، فإذا كان الغرض من استخدامات البصمة الوراثية هو التعرف على الخصائص البشرية والشعوبية وربط ذلك بخريطة جينية لغرض التواصل القرابي بين البشر، فهذا أمر محمود وقد يؤدي إلى الترابط الاجتماعي ويخفف النعرات العنصرية والشعوبية ويثبت انتماء البشرية إلى بعضهم بعضا. ويقول الدبل أما إذا كان استخدام نواتج البصمة الوراثية "D.N.A" في إثبات النسب فإن ذالك محفوف بالمخاطر والمضار الاجتماعية ويجعل الأمر سهلا وفي متناول الجميع، إما لغرض التسلية أو لغرض درء التشكك البسيط، وقد يؤدي انتشار هذا الفحص لإثبات النسب إلى قيام سوق اقتصادي مربح يستغل من أجل الثراء، وقد يؤدي بعد فترة وجيزة إلى تطوير تقنيات الفحص النووي ويجعله رخيص الثمن في متناول الجميع، ونتيجة لهذا التطور التقني والعلمي تنتشر الخلافات بين الناس وتكثر نتيجة لذلك قطع أواصر القرابة وتؤدي إلى المشكلات الاجتماعية التي لا تحمد عقباها.