في طريقي أمس للمعرض سألت أحد الأصدقاء هاتفيا عن روائي سعودي أود أن ألتقيه، فأجابني فورا "ابحث عنه في طوى أو جداول". ولأنني أخذت بالتوصية فقد توجهت إلى إحدى الدارين ووجدته فعلا هناك مع مجموعة من الأدباء السعوديين الشباب الذين أعرف بعضهم اسما فقط، ولم ألتق به قبل ذلك. ثم انتقلت إلى الدار الأخرى ووجدت ذات المشهد جمع آخر من الأدباء والمثقفين السعوديين الذين عادة كانوا يجتمعون في الدورتين الأخيرتين للمعرض في دور عربية شهيرة أخرى ك "الفارابي" و"المركز الثقافي العربي" و"الساقي"، و"الجمل" التي غيبت هذا العام عن المعرض لأسباب غير واضحة على الرغم من كثرة الأقاويل حول ذلك. شاعر وروائي سعودي ممن نشروا كتبهم السابقة في دور "الساقي" و"المدى" و"الآداب" فسر وجوده مع كوكبة من الأدباء السعوديين في هاتين الدارين، وسط أدباء شباب بعضهم يقدم للساحة الثقافية لأول مرة بأنه تأكيد لدور الشباب العربي في مختلف المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وعلق ضاحكا "في دول أخرى يقولون للسياسي ارحل ، وهنا يقول الشباب لبعض دور النشر العتيقة ارحلي.. نحن هنا والمكان لنا..!". مغامرة محسوبة من ينظر إلى الجموع الهائلة التي ترتاد معرض الرياض للكتاب ابتداءً من كبار السن إلى طفل أو طفلة في أشهره الأولى، لن يقتنع كثيرا بما يقال عن ركود سوق الكتاب وإن عالم النشر مغامرة غير محسوبة. مالك دار "طوى" الناشر عادل الحوشان رأى في رده على سؤال ل "الوطن" بهذا الخصوص أن "طوى" دخلت السوق"لأن لديها ما تفعله كمشروع ثقافي بهوية سعودية وستبقى لأن لديها ما تقوله وتفعله من أجل هذه الهوية"، مضيفا" لا يمكن أن ننتظر كل هذه السنوات وسط محدودية المشاركات الإبداعية السعودية في معارض عربية وعالمية، ولعل أول حضور لها كان في معرض فرانكفورت الدولي في عام 2006 من خلال ترجمة مختارات قصصية وتوزيعها بالمجان في الفعاليات وللحضور، من هناك كان لابد أن نمضي ومضينا فعلا لنصل إلى ما نحن فيه الآن بأكثر من 80 إصدارا". ويؤكد الحوشان أن مبيعات الكتاب حاليا جيدة لكنه يخاف من المستقبل، يقول "الكتاب أخذ مكانه خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة الماضية في معرض الرياض الدولي للكتاب، وكان لا بد أن يكون حضورنا من خلال دار نشر بهوية سعودية، إلى متى، لا أعرف كم سيستمر الإقبال، رغم أن الأرقام والإحصائيات تقول إن ذلك لن يستمر طويلا. أما الناشر المشارك بدار "جداول" محمد السيف فيؤكد أن الأمر "لا يخلو من مغامرة"، ويتابع: لكن دخول "جداول" لسوق النشر العربي جاء بعد دراسة وافية، أكدت أن الكتاب الجاد ما يزال يجد ولسنوات قادمة إقبالاً متميزاً، كما كانت هناك ثمة رغبة جامحة لدى مؤسسي ومُلاّك جداول الدكتور يوسف الصمعان ومحمد السيف في اقتحام عالم النشر العربي، وعالم الترجمة من لغات أجنبية إلى العربية". ويتابع "فكرة جداول التجربة بدأت من الصديق يوسف الصمعان ثم تحولت إلى واقع، وخلال أربعة أشهر فقط تمت طباعة أكثر من 45 عنوانا، منوعة المجالات ومتنوعة جغرافيا على مستوى الوطن العربي، من موريتانيا وحتى البحرين. وهذا العدد من الكتب، الذي لم يستهدف فقط الكم بمقدار ما استهدف الكيف، لم يتحقق لدار نشر عربية من قبل". الشباب ليسوا وحدهم ولأن اللافت في داري "طوى" و"جداول" هو تركيزهما على إبداعات الشباب، فإن الحوشان يرى الأمر من زاوية مختلفة (صحيح أننا ركزنا في البدء على التجارب الجديدة في الكتابة، لكننا لم نلغِ أن تكون طوى نافذة للجميع وبإيمان بأن لدى الشباب تجربة تستحق الوقوف معها. ويضيف "ما يستحق النشر سنهتم به، وسنضع كل كتابنا مع كتاب عرب وعالميين، هذا أحد واجباتنا الكبيرة، ألا نعيش عزلة مثلما فعل غيرنا بنا". لكن السيف يؤكد (نعم تحرص جداول على نشر إبداعات الشباب، خاصة السعوديين، ومساعدتهم في النشر. غير أن المطلع على إصدارات جداول يعلم أنه ليس ثمة تركيز على فئة معينة دون الأخرى). الصورة غير وردية بالطبع ليست الصورة وردية جدا لهذه الدور أو غيرها فهي تلاحق بتهم منها أنها تعزف على وتر "التابوهات" الاجتماعية لكسب المال فقط، وهنا يعلق الحوشان: سوق الكتاب معقّد لدرجة أنه يتم خلط وجهات النظر بالاتهامات والمواقف والخصومات، تيارات وأشخاص ومواقف أدبية وجمالية، مواقف معرفية.. الاتهامات لا أجيب عليها بالمناسبة، لأننا في الكتابة لسنا في غرفة تحقيق، في الكتابة نحن في فضاء يتسع لنا كلنا ولكل وجهات نظرالتي عليها أن تحترم بعضها. وتابع الحوشان "طوى لم تدخل سوقا تجاريا، الذي يعرفها عن قرب يفهم أنها بدأت وستستمر من أجل تحقيق أهدافها الثقافية، إن قدر لها أن يكون لها دخل يكفي ستطور مشروعها وهذا حقها علينا وحقنا أيضاً. وفي هذا الإطار ينفي السيف وجود عناوين في "جداول" ولا ما يُشير من قريب أو بعيد بالعزف على وتر التابو الاجتماعي. وقال "جداول دار نشر جادة تستهدف مجالات الفكر والفلسفة والتاريخ والأدب بكل أشكاله، كما أنها تستهدف القراءات والمراجعات النقدية، لما يدور في الساحة الثقافية السعودية، وليس في وارد تفكير مؤسسيها العزف اليوم أو غداً على وتر التابو الاجتماعي".