القصص الصحفية أو "الفيتشرات"، كما يطلق عليها في مهنة "البحث عن المتاعب"، كانت المعيار في التنافس المشروع بين الصحف السعودية، وهي التي كان يبحث عنها المتضررون من السيول، أو حتى المتابعون "للكارثة وكواليسها المركونة تحت تجمعات المياه التي غطت عروس البحر الأحمر". فلم تكن صحافة الأخبار المباشرة المعروفة برصانتها وجديتها غير القابلة للتغيير حاضرة في السيول، فالمسؤولون في الجهات الحكومية امتنعوا عن الإدلاء بالتعليقات الرسمية، خاصة في الأيام الثلاثة الأولى، كما حصل مع إدارة المركز الإعلامي لأمانة محافظة جدة. وانسحب هذا الأمر تماماً على بقية الجهات الرسمية الأخرى، ولم يعد المسؤولون الحكوميون يبحثون عن "السبق الصحفي لصحف مساندة لهم"، فحجم الكارثة أكبر من السبق الذي يبحثون عنه، ولم تسمح لهم أيضاً "قنوات التلفزة الرسمية أو مواقع الإعلام الجديد كالفيسبوك أو تويتر" والصحافة الإلكترونية، بالاحتفاظ بلحظية الخبر وحيويته، فهو مذاع في ثوان معدودة، وبين كل ذلك، انتقل السبق الصحفي بين الصحف إلى مرحلة أو مربع آخر في "الكتابة الصحفية"، وهي "القصص الصحفية"، ولم تعد الساحة المهنية مرهونة بغطاء "الخبر، والتحقيق، والتقرير، والحوار". وتسمح القصة الصحفية للصحفي بتوسيع دائرة الرؤية الفكرية لديه في تناول حدث أو خبر ما، إضافة إلى اكتساب الصحفي الذي يفضل الكتابة بهذا الشكل الصحفي مفردات لغوية متنوعة. ويشير إلى ذلك صحفي التحقيقات بصحيفة عكاظ الزميل نعيم الحكيم في حديثه إلى "الوطن"، مضيفا "إن رسائل الجوالات المعروفة ب"sms"، كانت تتنقل بين الناس وما زالت حتى ما بعد الحدث، والتي يدور جوهرها عن أفضل تغطية صحفية للصحف السعودية". الحكيم يشير إلى أن دور الصحافة في الأزمات والكوارث لم يعد محصورا في لغة الخبر الصحفي الجاف، والتي لا تقبل الانطباعات الشخصية إطلاقاً عن عدد الوفيات أو المنازل المدمرة التي أتى عليها السيل الجارف أو الفيضان، بل تنطلق في البحث عما حصل تحت هذا الدمار الكبير، في الكواليس الخلفية التي لا يشاهدها الناس إطلاقا. في مكان آخر متزامن مع "أحداث السيول" كانت النقاشات الإلكترونية التخصصية الصحفية تتصاعد شيئاً فشيئاً حول بناء القصص الصحفية، فتعددت الآراء بين من يعتمد أسلوب إيصال الفكرة مباشرة من خلال رأس القصة باستخدام أسلوب التناقضات، وإكمال حالة التناقض في القصة في الجزء الثاني بالمادة، وتخصيص الجزء الثالث لشرح الخلفية التي يعود لها الموضوع. وأكدوا في النقاش الإلكتروني اختلاف الأساليب في كتابة القصة الصحفية على رأس المادة، ولكنها تختلف من شخص لآخر في طريقة التناول والبناء للمادة، وكذلك في الختام النهائي للمتن، والذي يفضل البعض إنهاء قصته برأي إحدى شخصيات القصة في شكل حلول للمشكلة التي تقوم عليها القصة. ويفضل آخرون إثارة نوع من التساؤل لما سيفعله المتضررون أو المنتفعون تجاه القضية، وفريق ثالث يستخدم أسلوب التناقض الذي بدأ به قصته لينهي فيه. وأشار أحد المناقشين الإلكترونيين إلى أن القصص الصحفية تساهم في ولادة "قاص" يتقن فنون الحبكة والتسلسل. الصحفي في صحيفة "الشرق الأوسط" بدر القحطاني، والذي بدا مهتماً ب"الفيتشرات" قال في حديثه إلى "الوطن": إن الصحفيين المتواجدين خاصة في محافظة جدة، لديهم خبرة من "تجربة السيول السابقة التي أصابت مدينتهم"، ووضعتهم في خانة "الخبراء"، في معرفة أحوال الطقس التي استطاعوا من خلالها السبق في صناعة القصص الصحفية التحذيرية. وفصل الزميل القحطاني تجربته في الاستفادة من وسائل الإعلام الجديد كالبلاك بيري والتويتر في صناعة قصصه الصحفية التي استطاع من خلالها التواصل مع الناس في ظل انقطاع الطرق والسبل من جراء ما أحدثته السيول.