يكلّ الجسد وتملّ الروح، عندما تفقد الحياة روحها الدفاقة ونبع حيويتها، وتغدو يبابا هجرَتها نسائم الفجر وقطرات الندى، فالروح كما الجسد بمسيس الحاجة لما يبهجها ويبعث في ثناياها عبق أسرار الوجود، لتتراقص بفعل النشوة العارمة التي اعترتها أمام السر الكبير، ولئن كانت الأجساد والأرواح التي تجعلها ترفل بالحركة والنشاط، تشعر بالخمول وتفقد الحيوية كالفراشة التي تلقي بها من داخل الرياض الغناّء إلى بيداء قاحلة، فيكون كابوس الفناء مهمينا عليها بانتظار اللحظة التي يرفل فيها جناحاها للمرة الأخيرة، لكن جسد وروح أحمد رؤوف بشردوست، أو«الأمير الصغير في أرض الملالي» لم تكلّ ولم تملّ عندما ألقي به في مملكة اليباب لملالي إيران، بل إنه آل على نفسه مواصلة سفر الحياة، وتحدي هذا اليباب بحثا عن نبع الحياة، تماما كما فعل فرهاد وهو يحمل معوله ليحطم أسطورة الجبل الذي يمنع تدفق الماء كي يحظى بشيرين. «الأمير الصغير في أرض الملالي» ذلك الكتاب المصور الذي يروي قصة صمود ومقاومة شاب إيراني كان ينتظر أن يكون التغيير الكبير الذي جرى في إيران بعد سقوط نظام الشاه، بداية مرحلة وعصر جديدين، ولكن الذي جرى كان الانتقال من عصر ومرحلة مظلمة إلى واحدة أخرى أكثر ظلمة وظلاما منها، ولكنه لم يستسلم ولم يرضخ لهذا القدر الصادم، بل صمم على المواجهة والخوض في غمار تبديد حلكة الدجى المهيمنة على إيران، ليقدم نفسه قربانا على ضريح الربيع المنتظر لإيران. معصومة رؤوف بشردوست، شقيقة الأمير الصغير، وهي تحمل في أغوار روحها الألم الذي لا يوصف لجرح إعدامه في إحدى ليالي صيف 1988، تروي لنا خلال الكتاب المصور هذا الذي تمت ترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والألبانية، سيرة حياة شقيقها من فترة الطفولة إلى حين وصول الخميني للسلطة، وإلقائه في غياهب سجون رجال الملالي الرهيبة.