الحقيقة التي لا نريد أن نعترف بها، بل نتحاشى أن نصدقها، هي أننا نعيش غربة مع أنفسنا مع أرواحنا. نحن بعيدون جدا عن قلوبنا التي أنهكها القلق من الحاضر وعبث فيه الخوف على المستقبل، قلوبنا في وجل دائم! السعادة نسمع عنها ولا نعيشها بحقيقتها، مجرد أننا نخدع أنفسنا بأننا سعيدون، نضحك من غير نفس، نسافر بلا متعة، كشتاتنا عذاب، جلوسنا أمام البحر أجسام، وعقولنا بعيدة، نجتمع لنشرب القهوة بلا حديث، نزور الوالدين بلا بر، إن رأينا من نحب اختصرنا الحديث معهم، ننام في هم الصباح، ونصبح في هم الغد أي حياة هذه!. في الطائرة، في المطعم، في النادي، في الفندق، في البيت، في المكتب، في كل مكان، همنا «الشبكة» لو ينتهي الشحن انقطعت الرحمة وعم العذاب. أصدقاؤنا، هم، سناب وتويتر وواتس وإنستجرام ويوتيوب، لم يعد لنا حديث إلا معهم، ولا مناسبة إلا بهم، ولا عزاء إلا برفقتهم. مشاهيرهم، أنسونا أنفسنا والنعم التي بين أيدينا، وجعلونا ننظر لما في أيدي الآخرين، لم يعد يعجبنا ما لدينا، اقترضنا وأخذنا من هذا وذاك لكي نلتحق بركب الآخرين، نسافر بالدين، ونأكل بالدين، ونسكن بالدين، ونغير الأثاث الجديد بالدين و.....!!! في الصلاة نخوض في مسلسلات الدنيا إلى التشهد الأخير، ما من أحد عاجبه عمله، ولا وظيفته ولا راتبه ولا دراسته. مضغوطون، منزعجون، لو قال لنا أحدهم صباح الخير أجبناه «صباح الجن والعفاريت»، ولو راجعنا أنفسنا لو جدنا أن الحياة جميلة، وأننا نتقلب في النعم، أو كما قال أخونا السوداني، «نحن في زحام من النعم» ألسنا في غربة!؟.