أشك أن أجهزة الاتصال الذكية قد مكنت الناس من التواصل فيما بينهم بشكل سهل وسريع. ويقينا فإن تلك الميزة تحسب من الإيجابيات الرفيعة لتلك الأجهزة، وتقنياتها المتطورة في هذا العصر. إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أنها وسائل ذات تأثير سلبي، بما أفرزته من ظاهرة الانغماس الشديد لمختلف شرائح المستخدمين في واقعها الافتراضي، الذي أفرزته طبيعة استخدام تقنيات تلك الأجهزة، كبديل للواقع الحقيقي، ومن بينها بالطبع شريحة الأطفال والصبيان، الأمر الذي ساعد على إتاحة استخدامها بينهم بسهولة، وبلا قيود، ناهيك عما تتضمنه تطبيقاتها من إمكانات الدخول إلى مواقع غير مرغوب فيها، وبكل ما يحمله مثل هذا الاستخدام غير الرشيد لها عندئذ، من تداعيات ضارة على الأطفال، والصبيان، بالدرجة الأولى. وبالطبع فإن فقدان الأطفال آصرة الترابط الاجتماعي يأتي في مقدمة سلبيات الاستخدام غير المنضبط، حيث يؤدي انشغال الطفل بالجهاز اللوحي، أو الهاتف النقال الذكي، طوال الوقت، وإفراطه في استخدامه، إلى انفصاله عن مجتمع أهله وزملائه، ليخسر بالتالي فرصة تكوين علاقات حية مباشرة معهم، مما قد يؤدي إلى إحداث فجوة كبيرة في العلاقات العاطفية بينه وبينهم، وبين والديه وأفراد أسرته، وبذلك قد يصبح الطفل انطوائيا، وغير قادر على الاندماج، والتواصل المباشر بالمجتمع، والعالم الخارجي. على أن إدمان الطفل على استخدام هذه الأجهزة، وانغماسه في بيئتها، يؤدي إلى هدر وقته، وخموله بما يعتريه من إرهاق بدني، ومن ثم تشتيت تركيزه، وهو ما قد يؤدي بالمحصلة إلى إضعاف حماسه للتحصيل الدراسي، وربما يفضي به الأمر إلى الفشل في الدراسة، وتسربه منها. كما ينبغي الانتباه إلى أن إدمان الطفل على ممارسة الألعاب الإلكترونية، باستخدام تلك الأجهزة دون مراقبة الوالدين، قد يؤدي إلى اكتسابه عادات عدوانية، من خلال تأثره بمشاهد القتل والتدمير في هذه الألعاب، ومحاكاتها، وجنوحه لتقليدها. وإذا كان من المتعذر منع الأطفال، والصبيان، من استخدام تلك الأجهزة، بما هي وسائل استخدام تفرضها طبيعة العصر، وحيث قد لا يتاح للآباء أحيانا حجب المواقع الضارة فيها، ضمن نطاق مكاني محدد، من الناحية الفعلية كما يبدو، فإنه ليس هناك من خيار في هذه الحالة، سوى الحرص على توعية الجيل، وتوضيح خطورة الأمر لهم، والعمل على ترشيد طريقة استخدامهم لهذه التقنيات، وذلك من خلال الارتقاء بوعيهم، ورفع وازع حسهم الأخلاقي بأسلوب يتناسب مع درجة وعيهم وسنهم، وبالشكل الذي يضمن الاطمئنان على سلامة الاستخدام، وتفادي حالات الجنوح، من دون إثارة حفيظتهم، لكي لا يشعرون أن منعهم من استخدامها المفرط، أو مراقبتهم الجادة، إنما تستهدف حرمانهم، أو الحد من حريتهم في الاستخدام. ولا ريب إن ترك الحبل على الغارب، والتقاعس في ترشيد استخدام الأطفال، والصبية، لهذه الأجهزة، سيعني إهمال الاهتمام المطلوب بسلامة البناء الحضاري اللائق للناشئة، وما يترتب على ذلك الإهمال من ضياع يتقاطع مع عادات، وتقاليد المجتمع الحميدة.