في صباح يوم 29 نوفمبر، تعرض اثنان من العلماء الإيرانيين المشاركين في برنامج إيران النووي للهجوم مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن الدكتور ماجد شهرياري، الذي قُتل في الهجوم، كان على رأس الفريق المسؤول عن تطوير التكنولوجيا لتصميم قلب المفاعل النووي. ويقول تقرير نشرته مؤسسة "ستراتفور" في ديسمبر الجاري إن مهاجمين على دراجة نارية وضعوا "قنبلة لاصقة" على سيارة شهرياري وفجروها في وقت لاحق، لكن مجلة تايم الأمريكية قالت إن عبوة ناسفة مخبأة داخل السيارة انفجرت وقتلته، فيما أصيبت زوجته وسائقه بجراح. في الوقت نفسه، على الطرف الآخر من المدينة، تعرَّض الدكتور فيريدون عباسي لهجوم بعبوة ناسفة مماثلة لتلك التي قتلت شهرياري، وأصيبت زوجته أيضاً. وقد يكون عباسي أكثر ارتباطاً بالبرنامج النووي الإيراني من شهرياري لارتباطه بالحرس الثوري، وكان اسمه قد ورد في قرار الأممالمتحدة الذي نص على معاقبة بعض المسؤولين الإيرانيين المرتبطين بالبرنامج النووي. وكانت إيران قد اضطرت، بسبب الرقابة والعقوبات الدولية، إلى التركيز على تطوير التكنولوجيات المحلية في تطوير برنامجها النووي لتسد الثغرات التي تركتها العقوبات الدولية وهذا ما استدعى مبادرة وطنية منسَّقة من قِبل منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لبناء برنامج نووي للبلاد بدءاً من الصفر. وصرَّح رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي صالحي لوسائل الإعلام في 29 نوفمبر أن شهرياري كان مسؤولاً عن أحد المشاريع الكبرى في الهيئة، واتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الصهيونية وبعض الأنظمة الغربية بالوقوف وراء الهجمات المتزامنة ضد شهرياري وعباسي، لكن هناك شكوكا بأن إحدى الجماعات المُسلَّحة الإيرانية المعارضة قد تكون معنية بالهجمات بشكل أو بآخر، ربما بمساعدة من قوة أجنبية. ويمكن أن تساعد دراسة التكتيكات التي استخدمت في هذه الهجمات على إلقاء بعض الضوء على الجناة. طريقة العمل وفقاً لتقارير إيران الرسمية، كان عباسي متوجهاً برفقة زوجته إلى عمله في جامعة شهيد بهشتي شمال طهران، وفي أثناء الطريق اقتربت دراجتان ناريتان من السيارة وعلق ركابها عبوة ناسفة في الباب الأقرب للسائق. وفي غضون فترة قصيرة من الزمن انفجرت القنبلة مما أدى إلى إصابة عباسي و زوجته. أوضحت صور سيارة عباسي أنه تم تدمير باب السائق، لكن الأضرار في باقي السيارة قليلة جداً. هذا يدل على أن العبوات الناسفة كانت مصممة بطريقة دقيقة لتصيب أهدافها بشكل محدد. ويشير شكل وطريقة صنع واستخدام العبوات إلى أنه تم تصنيعها بواسطة خبير في صناعة القنابل. وبحسب إفادة الرجل الذي كان يقود سيارته خلف سيارة عباسي تماماً، فقد توقفت سيارة عباسي فجأة وخرج منها متوجها إلى الطرف الآخر حيث كانت تجلس زوجته، وقال شاهد العيان إن عباسي وزوجته ابتعدا حوالي مترين عن السيارة قبل أن تنفجر العبوة الناسفة، وهذا يدل على أن عباسي ربما انتبه إلى أنه كان يتعرض للهجوم، وهذا ربما أنقذ حياته. وربما أثار وجود الدراجات النارية بجانب السيارة انتباه عباسي ورآهم يلصقون العبوة الناسفة بسيارته. وتقول التقارير الرسمية إن شهرياري أيضاً كان في طريقه إلى عمله في جامعة شهيد بهشتي في سيارته مع زوجته عندما تعرض للهجوم القاتل. وتشير هذه التقارير إلى أنه كان بالتأكيد برفقة سائق خاص، مما يعطي انطباعاً بأن شهرياري كان يُعتبر شخصية هامة. كانت سيارة شهرياري في طريقها للخروج من موقف للسيارات في شمال طهران عندما قامت دراجتان ناريتان على الأقل بالاقتراب من السيارة وتم وضع العبوة الناسفة. وقال شهود عيان إن العبوة الناسفة انفجرت بعد ثوان من وضعها فيما لاذت الدراجتان الناريتان بالفرار. وقد قُتل شهرياري في الانفجار بينما أصيبت زوجته والسائق. وتتعارض الرواية الرسمية للهجوم مع تقرير مجلة تايم التي نقلت عن مصدر استخباراتي غربي لديه اطلاع على العملية أن العبوة الناسفة التي قتلت شهرياري كانت داخل السيارة. الصور التي نشرت لسيارة شهرياري أقل جودة بكثير من صور سيارة عباسي بعد الحادث، لكنها تظهر الأضرار التي لحقت بالزجاج الأمامي ونوافذ السيارة الأخرى، ولكن السيارة رغم ذلك تبدو سليمة، وبما أن سائق شهرياري وزوجته تعرضا للإصابة فقط فإن العبوة التي استخدمت كانت تستهدف شهرياري فقط . القدرات هجمات مثل التي نُفِّذت ضد عباسي وشهرياري تتطلب مستوى عالياً من الحرفية المتاحة فقط لعملاء مدربين جيداً. هناك الكثير مما يدور تحت هذا السطح في مثل هذه الهجمات ولا يكون واضحاً على الفور عند قراءة تقارير وسائل الإعلام. أولاً، كان على أعضاء الفريق الذين هاجموا عباسي وشهرياري أن يتأكدوا من أنهما بالفعل العالمان النوويان المستهدفان. حقيقة أن عباسي وشهرياري كانا يتوليان مناصب عالية في البرنامج النووي الإيراني يدل على أنهما اختيرا بعناية ولم يكونا ضحيتين بالصدفة. ثانياً، كان على فرق الاغتيال القيام بمراقبة العالمين. وكان عليها التعرف على هويات مركباتهما وتحديد مواعيدهما ومعرفة طرقهما، لمعرفة أفضل وقت لتنفيذ هجماتها. كلا الهجومين استهدفا العالميْن وهما في طريقهما للعمل، وهو الوقت الذي يكون فيه أمثالهما أكثر عرضة للخطر من أي وقت آخر. ثالثاً، الشخص الذي أعد العبوات الناسفة الموجهة يمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال. كانت كلتا العبوتين صغيرتي الحجم وتم استهداف العالميْن بدقة عالية للحد من الأضرار الجانبية. كل واحدة من العبوتين كانت قادرة على قتل الهدف المقصودة، واستناداً إلى الأضرار التي لحقت بسيارته، فإن عباسي كان سيلقى حتفه لو كان قد بقي في مقعد السائق. من غير الواضح بالضبط ما الذي جعله ينتبه إلى أنه كان يتعرَّض لهجوم، ولكن يبدو أنه كان يتمتع بدرجة جيدة من الوعي الظرفي واستطاع أن ينتبه إلى أنه كان يتعرَّض للخطر. ومن غير المفاجئ على الإطلاق أن شخصاً مثل عباسي كان يمتلك درجة من الوعي الظرفي، فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرَّض علماء مرتبطون بالبرنامج النووي الإيراني للهجوم، وكانت الوكالات الاستخباراتية الإيرانية المرتبطة بالبرنامج النووي قد أصدرت إرشادات أمنية عامة لموظفيها. في عام 2007 قُتل أردشير حسن بور في حادثة تسمم يُعتقد أنها كانت نتيجة عملية إسرائيلية. وفي يناير 2010، قُتل مسعود علي محمدي، وهو عالم إيراني كان يعمل في جامعة طهران. وفيما ثارت بعض الشكوك بأن مسعود علي محمدي ربما كان مستهدفاً من قبل النظام الإيراني بسبب علاقاته مع المعارضة، فإن عباسي و شهرياري كانا قريبين جداً من النظام ولا يمكن أن يكونا مستهدفين من قِبله. وفي جميع الأحوال فإن أوجه الشبه بين طريقة اغتيال علي محمدي والهجمات ضد عباسي وشهرياري تشير إلى أن حملة سرية لمهاجمة العلماء الإيرانيين قد تكون قد بدأت بالفعل. لا شك أن هجمات 29 نوفمبر وجّهت ضربة قوية لتطوير البرنامج النووي الإيراني. يبدو أنه كان لشهرياري بشكل خاص دور أساسي في البرنامج. ومع أن شخصاً آخر سيحل مكانه على الأرجح وسيستمر العمل، إلا أن موته سيتسبب في إبطاء تقدم البرنامج، على الأقل موقتاً. وتشير الأدلة إلى أن قوى أجنبية تحاول بنشاط تخريب البرنامج النووي الإيراني، لكن الأمر ليس بهذه البساطة. طهران ليست مدينة مفتوحة مثل دُبي، حيث قام عملاء استخبارات إسرائيليون باغتيال أحد قادة حماس رفيع المستوى في يناير 2010، لذلك من غير المرجَّح أن تقوم الولاياتالمتحدة أو إسرائيل بإرسال فرقها الخاصة إلى طهران للقيام بعملية طويلة تتطلب اختيار الأهداف والمراقبة والهجوم دون أن تحصل على بعض المساعدة على أرض الواقع. بالتأكيد هناك الكثير من المساعدة على الأرض في إيران. وقد قامت جهات كردية معارضة في إيران بعدة اغتيالات ضد رجال دين إيرانيين ومسؤولين في إقليم كردستان غرب إيران. كما استهدفت جماعة جند الله السُنيِّة الانفصالية في جنوب شرق إيران المصالح الإيرانية في السنوات الأخيرة. كما قدَّمت مجموعات إيرانية معارضة أخرى، مثل مجاهدين خلق، معلومات استخباراتية حول البرنامج النووي الإيراني إلى الولاياتالمتحدة. لكن أياً من هذه الجماعات، رغم قيامها سابقاً ببعض عمليات الاغتيال، لا تمتلك القدرة على استهداف مسؤولين رفيعي المستوى في قلب طهران بهذه الدرجة من الحرفية العالية. من غير المرجَّح أن أي قوة أجنبية كانت قادرة على تنفيذ هذه العملية وحدها، ومن غير المرجح أيضاً أن أي مجموعة مُسلَّحة محلية استطاعت تنفيذ هجوم بهذه الدقة والحرفية دون بعض المساعدة الخارجية، لكن الجمع بين الاثنين قد يُقدِّم تفسيراً لكون الهجمات التي استهدفت شهرياري وعباسي كادت تحقق نجاحاً كاملاً.