ريم العسيري كنت طفلة لا يزيد عمري على 11 عاما، لم أكبر بعد على حب الدمى، ولم أتجاوز عشق السكاكر، كان حب اللعب يجري في دمي، وفي المساء كنت أغطي دميتي بذات اللحاف الذي أغطي نفسي به عندما أخلد إلى النوم، كنت أستمتع باللعب والركض مع أقراني في الحقول المليئة بالعشب وأزهار البابونج في قريتي الفاتنة في أبها، ورغم كل تلك الطفولة التي تسكنني ألبسوني عباءة سوداء، لا يشبه لونها لون أحلامي الوردية، ولا فساتيني ذات الألوان الزاهية، ولا أفكاري المتوشحة بالبياض، كان مبرر أولئك الذين يريدون أن أرتدي السواد وأغطي وجهي به أني أصبحت كبيرة. في اليوم الأول لي في الصف الأول متوسط ذهبت إلى المدرسة بدون غطاء وجه، وعندما ركبت الحافلة كانت جميع الفتيات يغطين وجوههن بالكامل بالسواد، حتى أولئك اللاتي كن معي بذات الفصل في المرحلة الابتدائية، على الرغم من أن أعمارنا حينها لا تزيد على 13 عاما. وفي ذلك اليوم توعدتني فتاة نصبت نفسها مراقبة لسلوك الفتيات في الحافلة بأن تبلغ مديرة المدرسة بأني لا أغطي وجهي، وخوفا من أن أعرض نفسي للعقاب غطيته في اليوم التالي. أعتز كثيرا بالحجاب، لكني لا أحب اللون الأسود الذي ربطوه بالحجاب في أذهاننا وأقنعونا أنه اللون الوحيد له، وعلقوا صور العباءة السوداء وغطاء الوجه الأسود على حيطان مدارسنا على أنها الحجاب الشرعي الوحيد، على الرغم من أننا في ذات المدارس درسنا في المناهج الدينية أن الحجاب يجب أن يكون وسيعا وغير شفاف ويخلو من الزينة، ولم ندرس قط أن اللون الأسود من شروط الحجاب، وليس هناك نص قرآني يلزم المرأة بأن ترتدي الحجاب باللون الأسود، كما أن حديث «كأن على رُؤوسهن الغِربان»، يحكي عن حال نساء الأنصار بعد نزول آية: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)، وليس في ذلك الحديث ما يدل على أن اللون الأسود فرض في الحجاب، ورغم كل ذلك قد تعاقب الفتاة لو ارتدت عباءة بغير ذلك اللون في المدرسة!. علميا أثبتت الدراسات أن الألوان لها تأثير كبير على النفس البشرية، على المشاعر والسلوك والحالة المزاجية والصحية، فمنها ما يعبر عن الراحة والفرح، ومنها ما يثير مشاعر القلق والحزن، اللون الأسود يوحي بالكآبة ويبعث على التشاؤم، كما أنه في علم النفس اللوني يعتبر لون الشر والموت والخوف، وكثرة التعرض لهذا اللون تزيد من الشعور بالحزن، ويعتبر في كثير من البلدان لونا للتعبير عن الحزن والحداد. تستطيع كل مسلمة أن تكون محتشمة ومحجبة بمختلف الألوان بشرط أن يكون الحجاب غير شفاف أو ضيق، ويخلو من الزينة، وليس باللون الأسود فقط، ذلك اللون الذي ارتدته كثير من النساء كحجاب من باب العرف، ومحاكاة لغيرهن من النساء في المجتمع، وظنا منهن أنه اللون الوحيد للحجاب، دون معرفة منهن بأن الحجاب يمكن أن يكون بمختلف الألوان، ودون أن يكلفن أنفسهن بالبحث والاطلاع، أو يحركن عقولهن بالتفكير والتساؤل: «لِمَ لا نرتدي عباءة بلون آخر، فالله لم يأمرنا بارتداء الحجاب باللون الأسود!». البياض لكل فتاة عاشت مرارة ارتداء السواد ذات يوم مجبرة مثلي، البياض لكل فتاة مختلفة تؤمن أن شرفها وحشمتها وحجابها وأخلاقها وطاعتها للرب غير مرتبطة باللون الأسود، البياض لكل فتاة حرة بعقل واع، ولكل مسلمة تقية تؤمن أن الدين يسر، وتعبد الله وتطيعه كما يجب، لا كما يريد الناس والمجتمع والعادات.