تتلخص أزمة التباهي والتقليد في وجود حالة نفسية مرضية لدى بعض الأشخاص تخرجهم من أوضاعهم الطبيعية إلى حالات غير مألوفة، وتتضح في سلوكياتهم وفي تعاملاتهم الاجتماعية، وتدل على الإحساس بالدونية والنقص، فيعمد البعض دون وعي أو إدراك إلى إذلال نفسه. إما بمجاراة الآخرين فيما لا يتقن ولا يستطيع أو بتقليد بعض الطبقات الاجتماعية الأخرى، وقد يكون شأنه ووضعه المادي أقل من ذلك؛ وقد لا يكون لديه الإمكانات المطلوبة، وقد لا يحسن تغير ذاته إلى عالمه الوهمي الجديد، وذلك لاضطراب شخصيته وتحولها وعدم انسجامها فيما بين واقعه المادي الملموس وواقع المتباهي أو الطبقات الأخرى المُقلدة، والتي لم يسبق له اكتساب الخبرة الكافية في عالمها. وهو في ذلك كحال الديك في تقليده مشية الصقر، فلا عرف مشية الصقر ولا تذكر مشية الديك. وهنا يجدر بِنَا أن نذكر تواضع وواقعية بعض الأثرياء والوجهاء، مع قدرتهم المادية أو مكانتهم الاجتماعية، وعلى غرار ذلك ما نجده في الجانب الآخر وبالواقع المشهود من تباهي كثير من العامة والفقراء والمعوزين وتكبر كثير من الجهلة والبائسين. والشواهد في ذلك كثيرة، فمنها على سبيل المثال التبذير والإسراف في الزواجات والمناسبات والتباهي بذلك، ثم تجد أن معظم تلك النعم ترمى في القمائم، ومن صور التباهي أن تجد في بعض المناطق من يتباهى بطول صف المرحبين والمستقبلين للضيفان، فبعضهم بعد اصطفاف الناس لاستقبال ضيوفه، يتسلل إلى خارج الصف للوقوف مقابلا للصف ليستمتع بطول الصف ويطمئن على أنه صف استقبال ممتد ومتراص، وهناك قد يعطي إشارة بيده إلى الموجودين في الصف أن الوضع مسكت. والأدهى والأمر أن بعضهم قد يحاسب ويعاتب من تأخر عن تلك المناسبة ومن لم يشارك في الاصطفاف، وقد يصل الأمر إلى الخصومة والعراك، وذلك ليس بدافع الألفة والمحبة والكرم، ولكن حرصا منه على زيادة مكونات الصف بالأحجام والأوزان المختلفة. وما نلاحظه أيضا، هو التباهي بكماليات الحياة، وخصوصا في عالم النساء والشباب. وكذلك ما نراه من تباه وإسراف في مناسبات النساء لدى كثير من الأسر ميسورة الحال أو المحتاجة، حتى إنه وصل حال المباهاة والمنافسات الممقوتة، أن نساء متزوجات ولهن أبناء وبنات قطعن علاقتهن بأهلهن وأقاربهن بسبب تلك المنافسات وبسبب التباهي والمبالغات فيما بين تلك الأسر التي تربطها علاقة الرحم والقرابة، وبالتالي أدى التباهي بينهم إلى المزايدة والبدع ثم القطيعة. وهنا فإنني أدعو نفسي وغيري إلى مراجعة النفس وتصحيح الأخطاء والتحلي بالوعي، وعدم الانقياد خلف التقليد المغلف، ونبذ تصرفات سفهاء العقول للتخلص من تلك الآفات في مجتمعنا.