فرحة قدوم المولود كبيرة، والاحتفال به مطلب شرعي واجتماعي، إلاّ أن ما وصلت إليه الاحتفاليات في الآونة الأخيرة من مظاهر باهظة التكاليف، ومبالغة غير مبررة، وما يصاحبها من تزيين وهدايا فاخرة جعلت من الاحتفال ليس مجالاً للتعبير عن الفرح فحسب، وإنما حولته إلى منحى آخر نحو التفاخر والمباهاة بين الأسر. تجهيزات خاصة وأكدت "منيرة الشمري" على أنها في جميع احتفالاتها بمواليدها تحرص على مواكبة التطور والظهور بمظهر مختلف، ابتداء من سرير المولود المغطى بالزينة والبالونات، وأنواع العصائر والشكولاتة، إلى جانب أفخر أنواع البخور، مشيرة إلى أن تلك الظاهرة أصبحت شائعة بين النساء، ومجالاًَ للتنافس فيما بينهن. وبيّنت أن الأمر يختلف من امرأة لأخرى بحسب وضعها الاقتصادي والاجتماعي، حيث يفضل البعض أن يكون حفل الاستقبال في مستشفى خاص بجناح يضم غرفة مجهزة بالاحتياجات اللازمة، وهو ما جعل كثيرا من المستشفيات تؤمّن غرف ولادة وفق طراز فندقي بأثاث فاخر، بينما تفضل أخريات أن يكون الاستقبال في المنزل، بعد أن يتم تزيينه بأجمل طريقة بإضافة ورود، إلى جانب تزيين سرير الأم بلون يتناسب مع جنس المولود. "برستيج" اجتماعي وأشارت "نوال الخالد" إلى حفلات استقبال المولود أصبحت تعكس البرستيج الاجتماعي، من خلال الظهور بمظهر لائق بشكل يواكب التطور الاجتماعي، موضحةً أن تجهيزها لاستقبال مولودها يبدأ منذ وقت مبكر بشراء أفخر أنواع الشوكلاتة وهدايا للمهنئين، إضافة إلى تزيين السرير والغرفة بالورود والبالونات على حسب جنس المولود، ذاكرة أنها تحرص على اقتناء تجهيزاتها من محلات معروفة لكي تظهر بشكل مميز وجذاب. مظهر مميز وشددت "منال الحربي" على أن حفل استقبال المولود لابد أن يكون مميزاً بفرحة مختلفة تهتم بكافة التفاصيل الصغيرة، إضافة إلى وضع سرير خاص للطفل مزيناً بألوان تتناسب مع المولود، إلى جانب أطباق ضيافة فاخرة، وهدايا للزائرين، معترفةً أن تلك التجهيزات تكلفها الكثير من المال، إلاّ أنه يشعرها بالفخر والزهو لحرصها على الظهور بمظهر مميز أمام الآخرين. المبالغة في «الفشخرة» أرهقت البعض مادياً وقالت "نوف عبدالله الأسمري" إنها تمقت مبالغات حفلات استقبال المولود بشدة، واصفةً إياها بالترف والمفاخرة المرفوضة المؤدية لإرهاق مادي، ويجلب الحسد بين الناس، إلاّ أنها تؤيد الفرح بشكل معتدل بدون أن يرهق الشخص نفسه بتكاليف فوق طاقته، مفضلةً إجراء احتفال مبسط ومنظم بعيداً عن مظاهر البذخ والإسراف والمظاهر الكذابة والمبالغات في الهدايا والزينة. رفض تام وذكر "أبو نواف العتيبي" أنه ضد تلك المظاهر الكذابة -على حد قوله-؛ كونها مرهقة مادياً وتشكل عبئاً على الأسرة، مبيناً أن حفلات استقبال المولود لا فائدة من ورائها سوى المزيد من التفاخر الاجتماعي، بيد أن الفرح بشكل معتدل وغير مبالغ فيه أمر منطقي بعيداً عن التكاليف. رغبة تباهٍ وبيّن "سعد العبدالرحمن" أنه يرفض هذه النوعية من الاحتفالات الناجمة عن رغبة في التباهي والتفاخر أمام الآخرين، فضلاً عن أنها تولّد الغيرة بين الآخرين إلى حد كبير -على حد قوله-، لافتاً أن محاولة لفت الانتباه بتلك الطريقة يعد بذخاً وتبذيراً؛ كونه يربك ميزانية الأسر، وقد يوقع البعض في الاقتراض من أجل تغطية تلك التكاليف. تنافس كبير وكشفت "أم خالد" -منسقة حفلات- أن السيدات أصبحن يتنافسن في حفلات استقبال المواليد، ولا يكتفين بترتيبات بسيطة، وإنما منذ وقت مبكر يبحثن عن أفكار جديدة وجذابة لهدايا المواليد واستقبال الضيوف، مبينةً أن أول سؤال يواجهها من "الزبونة" عن آخر موضة جديدة ومختلفة عن الآخرين؛ مما يدلل على حرص السيدات على التميز في هذه المناسبة، مشيرة إلى أن إرضاء العميلة هو أهم أولوياتها من خلال الاهتمام بمناسبتها والتجهيز لها مبكراً. وقالت:"نحضر أجواءً احتفالية خلال حفلات المواليد، سواءً في المنازل أو قاعات أو حتى في المستشفى، مصحوبة بأغان فرائحية أو أناشيد أطفال، بحسب طلب الزبونة، كما نزين الحوائط والمداخل بالبالونات والأشرطة الملونة، ودُمى الدببة، إضافةً إلى تجهيز طاولة استقبال للضيوف مزينة بالشموع والورود وصور المولود، إلى جانب تقديم هدايا زوار مجمّلة بحسب الطلب". وأوضحت "نورة العصيمي" -أخصائية اجتماعية- أن كثيرا من النساء بالغن في حفلات استقبال المولود حتى أصبحت مجالاً للتفاخر والمباهاة، وأصبحت مستشفيات الولادة مكاناً لاستقبال الضيوف بعد أن يتم تجهيز الغرف والأجنحة بكثير من المستلزمات، وتصرف عليها مبالغ طائلة، مشيرةً إلى أن ذلك سبَّب إرهاقاً مالياً لدى كثير من الأسر عندما يجاهدون أنفسهم للظهور بمظهر اجتماعي أعلى، وهو ما قد يعزز من الطبقية المجتمعية، والغيرة الاجتماعية. وأرجعت أسباب من يجعل تلك الاحتفالات مكانا للمفاخرة؛ إلى "نزعة التفرد" لدى البعض، وكذلك الرغبة في المباهاة والتفاخر لدى العديد من أفراد المجتمع، إلى جانب الحرص على التميز والإحساس أنه الأفضل؛ مما قد ينتج عن ذلك خلل نفسي يُشعر البعض بالنقص بحيث يودون الظهور بمظهر اجتماعي أعلى من طبقتهم الاجتماعية. ودعت إلى توعية المجتمع وتحذيرهم من المبالغات الممقوتة في الاحتفالات بكافة أنواعها؛ لأنها تعتبر نوعا من البذخ الاجتماعي المرفوض، إلى جانب عدم الانسياق وراء المظاهر الزائفة، منوهةً بضرورة التعقل وعدم إرباك ميزانية الأسرة بتكاليف لاتتناسب مع وضع الأسرة المادي، حيث إن التعبير عن الفرح لا يتطلب هدراً مالياً مبالغاً فيه. عرف اجتماعي وقالت "هيا بدر العنزي" -أخصائية اجتماعية- إن قدوم المولود يدخل فرحاً وبهجة على أفراد عائلته خصوصاً إن كان المولود الأول، حيث يتم الاحتفال به معظم الأسر بمختلف طبقاتها الاجتماعية والاقتصادية، مبينة أن الأصل هو الاحتفال بالمولود شكراً لله عز وجل قبل كل شيء، إلاّ أن هناك مبالغة في الاحتفالات يشوبها البذخ تجاه تجهيز الحفلات، لكي تكون أفضل من بين مثيلاتها، إذ تدخل المقارنات بين أفراد العائلة والأقارب وتبدأ الأسرة بالتجهيز للاحتفال قبل أشهر من ولادة الطفل بترتيب الدعوى والإهداءات وتقديم الضيافة للمدعوين. وقالت:"قد تضطر بعض الأسر من الناحية الاجتماعية للمبالغة في إقامة احتفال بالمولود؛ كوجاهة اجتماعية لها أبعادها وتؤثر في العلاقات الاجتماعية فيما بين العائلة والعائلات الأخرى من ناحية ظهور الغيرة والحسد، وذلك يرجع لأسباب نفسية ناتجة عن عقدة نقص، أو حب ظهور، فتجتهد الأسرة في إظهار أفضل ما يمكن تقديمه، أو الرغبة في التقليد ومحاكاة الغير، مما يؤثر سلبياً في طريقة التعامل مع الآخرين ويخلق جواً من المشاحنات.