بمناسبة الأحداث الراهنة، وما يجري من النيل من هذه الدولة المباركة دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية تشفيا وحسدا، أقول: إن المُنصف المتجرِّد للحق حين يتأمل ويُمعن النظر في تاريخ هذه الجزيرة العربية قبل ظهور دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- يرى بوضوح ما كانت عليه حال أكثر الناس في تلك الأزمان الغابرة من الوقوع في الشرك وانتشار البدع والخرافات بينهم، وعموم الفقر والجوع، ووجود الظلم والضغائن والعداوات والحروب الطاحنة فيما بينهم، قبائل وجماعات وأفرادا، الأمر الذي جعلهم يعيشون في شتات من أمرهم، وتفرُّق في كلمتهم، وفقر وجوع، ورعب وخوف ملازم لقلوبهم صباحا ومساء؛ يخشون غارة غائر لا يرقب فيهم إلاًّ ولا ذمَّة، وظُلْم ظالم قد أعمى الله بصره وبصيرته، وسَلْب مُنتهب يسرق المال والمتاع علانية دون خوف أو وجل، وغارة جماعة أو قبيلة معتدية ربما صبّحت القوم أو مسّتهم، لا ترعى لكبير عجزه، ولا لطفل صغره، ولا لامرأة ضعفها. تلك -أيها القارئ الكريم- حال الغالب الأعم من الناس في هذه الجزيرة قبل ظهور هذه الدعوة المباركة، وفق ما دوّنه لنا تاريخ هذه الجزيرة الصادق الموثوق، ولك أخي أن تقرأ تاريخ ابن عباد، وتاريخ ابن يوسف، وتاريخ ابن منقور، وتاريخ ابن بشر، وتاريخ ابن غنام، وغيرها مما أُلّف في هذا الباب. فقيّض الله لهذه الجزيرة بعد ذلك دعوة هذا الإمام المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، بمؤازرة من الإمام الهمام الإمام محمد بن سعود، رحمه الله، فقامت على يديهما هذه الدولة المباركة -دولة التوحيد- على أسس ودعائم عظيمة، هما: (الكتاب والسنة)، حتى استوت على سوقها. فلم تزعزعها بعد ذلك رياح المناوئين، ولا إرجاف الحاسدين، ولا تحزّب الظالمين، ذلك أنها دولة سلفية محضة، لم تقم -حين قامت- على حزبية ممقوتة، ولا على عصبية جاهلية مذمومة، وإنما على ما كان عليه السلف الصالح من لزوم الكتاب والسنة وتحكيمهما، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع الظلم عن المظلومين. هكذا قامت وتأسست هذه الدولة المباركة؛ فأزال الله بها معاقل الشرك والبدع، وجَمَع الله بها شمل المسلمين وكلمتهم، وأعلى الله بها راية الحق، ورفع الله بها الظلم والعدوان عن المظلومين، حتى استتبّ أمنها، وعمّ خيرها أرجاء البلاد، فأصبح الناس يعيشون أمنًا وطمأنينة واستقرارا ورخاء ورغد عيش، بعد أن كانوا في رعب وخوف وجوع وحروب طاحنة تأكل الأخضر واليابس. ولا تزال هذه الدولة المباركة -ولله الحمد والمنة- تسير على هذا المنهج القويم على يد قادتها العادلين منذ أن تأسست إلى يومك، فلا التفات لعبارة مغرض أو نفث حاسد، أو إرجاف منافق، ذلك أنّ من قال بخلاف ذلك فقد افترى كذبا، وقال بهتانا وزورا، وأوقع نفسه في ظلم مبين. ولنشكر -أخي- نعمة الله علينا تلك، فنحن في أمن ووحدة كلمة ورغد عيش، في ظل قيادة عادلة تُحكّم شرع الله، وتقرّر عقيدة أهل السنة والجماعة، ولنتذكر قول ربنا -جل وعلا- في كتابه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ)، أي: كفرت بنعمة الأمن ونعمة الرزق (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) أي: أبدل غناها جوعا وفقرا، وأمنها خوفا ورعبا؛ بسبب كفرهم بهاتين النعمتين بالذنوب والمعاصي والتفرق أحزابا وشيعا. قال شيخنا العلامة صالح الفوزان في خُطبة له مستدلاًّ بهذا الآية: «هكذا سُنَّة الله -جل وعلا- في خلقه لا تتغير ولا تتبدل، إذا هم حادوا عن شرعه وحادوا عن دينه، واستمعوا إلى المفسدين وإلى دعاة الضلال وإلى الغوغائيين، هكذا تكون العاقبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله». ا ه المقصود من كلامه من خطبة الجمعة في 15/ 3/ 1432. نسأل الله أن يثبت قادة هذه البلاد على الحق، وأن يدفع عنا وعنهم وعن بلادنا شر الأشرار وكيد الكائدين، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه سبحانه الوليّ على ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.